العاملون في القطاع الصحي في مواجهة أخطار الجائحة

تقرير بيت العمال للدراسات

تشكل الظروف الإستثنائية التي يواجهها الأردن والعالم في ظل جائحة الكورونا فرصة لتطوير أنظمة الصحة والسلامة المهنية، وتعزيز حماية العاملين من الإصابات المهنية، وحمايتهم من الأمراض المعدية وعلى وجه الخصوص فيروس "كورونا المستجد"، في وقت عادت فيه مختلف القطاعات إلى ممارسة أعمالها، الأمر الذي يتطلب تكثيف الرقابة على مدى التزامها بمعايير الوقاية والحماية. 

ولا يمكن المحافظة على صحة المواطنين من دون المحافظة على صحة وسلامة الكوادر الصحية، فقد أوجب ميثاق منظمة الصحة العالمية على الحكومات أن تضمن معايير سلامة جيدة للعاملين الصحيين، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الأطباء، والممرضون، وأخصائي الرعاية الاجتماعية، وعمال التنظيف، وسائقو سيارات الإسعاف، وعمال المرافق، على اعتبار أن الحفاظ على الكوادر الصحية هو ركن أساسي لنظام صحي فعال وبالتالي لمجتمع صحي سليم. 

وتشير أرقام وزارة الصحة إلى وجود حوالي 30 ألف عامل في المهن التمريضية، يعمل منهم 10.346 في القطاع الخاص، والباقي يعملون في القطاع الرسمي، فيما عدد أطباء الوزارة البالغ عددهم حوالي 6 آلاف طبيب وطبيبة، ثلثهم اختصاصيون. 

فالعدوى التي قد يتعرض لها الأطباء والعاملون في القطاع الصحي تعد من القضايا الصحية المهمة التي تفوق في تأثيرها قطاعات أخرى، ما يجعل من حماية العاملين في القطاع الصحي من العدوى ضرورةً قصوى، فهم يتنقلون بين المرضى، وبذلك قد يتسببون في نقل المرض إلى غير المصابين به، وقد يتسببون في نقل المرض إلى أسرهم، فضلًا عن أن مسببات العدوى في المستشفيات قد تتصف أحيانًا بشراستها ومقاومتها للمضادات الحيوية، وقد يسقطون ضحايا للمرض الذي يعملون على علاج الناس منه، حيث تشير الدراسات إلى أن نسبة العدوى بين العاملين في القطاع الصحي وأسرهم هي أعلى بكثير من نسبة العدوى في المجتمع، وهي 5 إلى 7 أضعاف النسبة بين السكان. 


لقد كان الإرتباك سيد المشهد عندما بدأ الأردن يواجه تزايدا غير مسبوق للإصابات والوفيات يوماً بعد يوم، وعندما أصبح خطر الإصابة والموت يداهم بشكل مقلق الكوادر الطبية؛ خط الدفاع الأول في الأزمة، والذي يعوّل عليه لحماية المواطنين، وعندما أصيب المئات منهم خلال فترة قصيرة وغادر العديد منهم دون وداع، ووضعهم في مستويات استثنائية من الكرب النفسي، بسبب البيئات الخطرة التي يعملون بها وساعات العمل الطويلة والخوف الدائم من التعرض للعدوى. 

ويعتبر ارتفاع الإصابات الذي حدث مؤشرا على خطأ في تعامل الجهاز الطبي مع الوباء، وهذا الخطأ قد يكون ناتجاً عن سوء الإدارة، أو إهمال من قبل الكوادر، ولا شك أنّ هناك أخطاء إدارية قد حصلت، كما كان للإنهاك الذي أصاب الكوادر واستمرارهم بالعمل لساعات طويلة دور رئيسي في ذلك، ولا شك أن الانتخابات النيابية قد ساهمت في ازدياد الحالات خاصة عبر مقرات المرشحين، وعمليات التواصل مع الناخبين، وأنه كان من الممكن تأجيل هذا الاستحقاق الدستوري، لحين فراغ الأردن من معركته مع الجائحة. كما لم تكن هناك قبل حقبة الكورونا خطة معلنة ومطبقة تتعلق بسلامة المرضى، وهذا الحال فاقم عواقب الوباء على المرضى وبالتالي على العاملين بالقطاع الصحي، في وقت كانت معدات الحماية الشخصية المعيارية الكاملة غير متوفرة وكان يصعب الحصول عليها. 

وتعد معايير الصحة والسلامة المهنية أحد أهم معايير العمل اللائق، وهي جزء أساسي من الحقوق والمبادئ الأساسية في العمل، وهي إلى جانب ذلك أحد معايير العمل المرضية والعادلة التي نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، فالحكومة تتحمل المسؤولية المباشرة عن حماية المواطنين من عدوى الفيروس، من خلال خدماتها الوقائية والعلاجية، والعامل الرئيسي في هذه الحماية هو ضمان وجود كوادر صحية متخصصة ومدربة ومؤهلة، وبصحة جسدية ونفسية جيدة، خاصة وأن التراخي في حماية الكوادر الصحية وتفشى الوباء بينهم سيعرض المواطنين لمزيد من الخطر. في ظل هذه الظروف على الحكومة العمل على تحسين الإجراءات لمُواجهة تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا والتّعامل معها، التزاما بما نصّت عليه المعايير الدوليّة لحقوق الإنسان وتحديداً العهد الدوليّ الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة الذي كفل حقّ الأفراد في التّمتع بأعلى مستوى من الصّحة، وألزم الدول باتّخاذ التّدابير اللّازمة لتأمين المُمارسة الكاملة لهذا الحقّ.

 كما يجب الإفصاح بصورةٍ مُستمرةٍ واستباقيّةٍ عن المعلومات المُتعلّقة بخُطط مواجهة المُستجدات المُتعلّقة بفيروس كورونا، خاصةً في حال الإستمرار بتسجيل حالات ستؤدي بالضرورة إلى إرهاق كاهل القطاع الطبي، وخطط الإستمرار في تقديم الرعاية الطبيّة، والإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالوفيات الناتجة عن فيروس كورونا وأسباب زيادتها الكبيرة في الآونة الأخيرة، ومدى كفاية الكوادر القادرة على التعامل مع الحالات الحرجة، وأن يتم البحث عن وسائل احترازيّة تكفل عدم انتقال عدوى الإصابة بالفيروس في المرافق الصحيّة، وتوفير المعدات والتجهيزات الوقائيّة اللّازمة للكوادر الطبيّة والتمريضيّة لمنع انتقال الفيروس إليهم وبما يضمن حمايتهم. 

ومن أهم المعايير الواجب على المستشفيات والمنشآت الصحية الأخرى اتباعها للاعتناء بصحة العاملين في القطاع الصحي، ضرورة منحهم قسطٍ كافٍ من الراحة بين المناوبات وبعد ساعات العمل، والإهتمام بالتغذية الصحية، وممارسة الرياضة، وإتاحة الفرصة لهم للتواصل مع الأسرة والأصدقاء. 


كما يجب أخذ الإحتياطات اللازمة عند العناية بالمرضى في المنشآت الصحية للحد من انتقال العدوى إلى الفريق الطبي، بصرف النظر عما إذا كانوا مصابين بأمراض مُعدية أم لا، ونظافة بيئة العمل والتخلص الآمن من الأدوات المستخدمة والمخلفات، وعلى أن يواكب هذه الإحتياطات الإهتمام بعاملين رئيسيين: أولهما الوعي بمخاطر العدوى من حيث طرق الحماية وأساليبها، وثانيهما اتخاذ الإجراءات التي تتوقف بدورها على بيئة العمل وتوفير إمكانيات الوقاية من العدوى، وأن يتم تدريب الفرق الطبية بالمستشفيات والمراكز والوحدات الصحية على طرق التعامل والوقاية والاحتياطات الواجبة عند تقديم الخدمة، إلى جانب نشر الأدلة الإرشادية حول المرض وطرق الوقاية. 

وعلى الأجهزة الرسمية ضرورة مراقبة أداء المؤسسات الصحية فيما يتعلق بوضع أنظمة وبرامج لمكافحة العدوى وأمن سلامة المرضى والأطقم الطبية، والتأكد من مدى توافر الإمكانيات، وتشجيع العاملين على الإبلاغ، ومراقبة التعقيم والتطهير، وتوعية فريق التمريض بالتعامل مع كل مريض على أنه إيجابي ومصدر للعدوى. وتؤكد الظروف التي تعيشها المملكة في هذا الشأن أهمية مصادقة الحكومة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلّقة بالصحة والسلامة المهنية، وبالتحديد، اتفاقية السلامة والصحة المهنية رقم 155، واتفاقية خدمات الصحة المهنية رقم 161، واتفاقية السلامة في استعمال المواد الكيميائية رقم 170، مما سيؤدي إلى رفع مستوى المعايير الأردنية، خاصةً، أن منظمة العمل الدولية أفردت 16 اتفاقيةً في هذا الشأن، وقد صادق الأردن على ثلاث اتفاقيات منها فقط. 

ولا شك أن هنالك انسجام بين مضامين التشريعات الأردنية المتعلقة بشروط الصحة والسلامة المهنية، وبين المعايير الدولية ذات العلاقة، حيث نصّ الدستور الأردني في المادة 23 منه على ضرورة إخضاع منشآت الأعمال للقواعد الصحية، كما تضمن قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 وتعديلاته، وقانون الضمان الاجتماعي رقم 1 لسنة 2014، وقانون الصحة العامة رقم 47 لسنة 2008 العديد من المعايير المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية.

بيت العمال للدراسات