الإجراءات العاجلة المطلوبة من الحكومة الجديدة في قطاع العمل

حماده أبو نجمة 14.9.2020

لم ترق إجراءات الدولة الأردنية خلال الجائحة إلى مستوى التصدي الفعال للإتساع المتوقع في شريحة المتعطلين عن العمل في ظل الخيارات المحدودة المتاحة، ويشير السيناريو المتوقع للفترة القادمة إلى أن معدل النمو في الناتج المحلي سوف ينخفض أكثر 6%، وإلى عدم قدرة العديد من القطاعات على الصمود أمام الأزمة، وعدم قدرة السياسات الحكومية على احتوائها بشكل فعال خلال الشهور القادمة مما سيزيد في حالات فقدان الوظائف.

حيث سيكون من النتائج الحتمية للأزمة زيادة معدلات البطالة بشكل متسارع حتى نهاية هذا العام على الأقل، وارتفاع ملموس في معدلات بطالة الشباب والداخلين الجدد إلى سوق العمل، نتيجة عدم قدرة الإقتصاد على توليد فرص عمل جديدة وتراجع الإستثمارات، في ظل احتمال عودة أعداد من العاملين في الخارج الفاقدين لوظائفهم نتيجة الضغوطات الإقتصادية التي تعاني منها الدول التي يعملون بها، وخاصة الدول الخليجية، كما ستزداد  نسب تشغيل الأطفال (بعض الأسر لن تجد لها حلا إلا باستخدام أطفالها في العمل)، وشتنخفض معدلات المشاركة الإقتصادية، خاصة مشاركة المرأة التي عادة ما تكون أقل قدرة على الحصول على فرص عمل من الذكور، حيث ستزيد الأزمة في عزلتها وبعدها عن سوق العمل وانضمامها إلى صفوف المحبطين الذين يتوقفون عن البحث عن فرصة العمل لشعورها بعدم جدوى ذلك، وستزداد أعداد المستفيدين من صندوق التعطل الذي لن يستطيع في المستقبل القريب أن يفي بالتزاماته إذا لم يتم دعمه من مصادر أخرى، خاصة بعد أن تم استنفاذ جزء كبير من مدخراته لغير غاياته، بناء على تعديلات قانون الضمان لعام 2019 التي سمحت بالسحب منه لغايات التعليم والصحة، حيث بلغت المبالغ المسحوبة منه لهذه الغايات 200 مليون دينار حتى نهاية 2019، وسيزيد حجم النزاعات العمالية الفردية والجماعية نتيجة توسع حالات إنهاء الخدمات في قطاعات متعددة وانهيار العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو إعادة الهيكلة التي بدأت على نطاق واسع خاصة في العقود محددة المدة، حيث تتوقع مجموعة كابيتال إيكونوميكس أن إنهيار مؤسسات القطاع السياحي وحدها سيؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (2-3%).

في ظل هذه النتائج المتوقعة لآثار الجائحة يتوجب على الحكومة أن تعمل على جملة من الحلول، وبشكل خاص، حفز الإقتصاد ودعمه لزيادة الطلب على الأيدي العاملة باستخدام الأدوات المالية المتاحة وتخفيف عبء الديون والإلتزامات المالية الأخرى كالرسوم والضرائب، وتخصيص حزمة برامج إنقاذ سخية تتضمن مساعدات فورية للشركات للحفاظ على فرص العمل، والتوسع في القروض التي تستهدف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإلغاء الشروط والقيود والإجراءات التي أدت مؤخرا إلى صعوبات في وصولها إلى الدعم الذي تحتاجه، والتركيز على القطاعات الأكثر تضررا، كشركات السياحة والسفر والمطاعم والصناعات التصديرية، وأن يكون الهدف الرئيسي للبرامج تفادي موجة متوقعة من الإنهيارات في المؤسسات المتضررة، ووضع الخطط اللازمة لإنقاذها، وذلك من خلال رصد الآثار المتوقعة لكل قطاع بالتعاون مع ممثليه وحصر الأضرار القائمة والمستقبلية، بالإضافة إلى إقامة هيئات داعمة للعمل للحساب الخاص والأنشطة المدرة للدخل، من خلال الاشراف على إنشاء مجموعات من المنتجين لإقامة مشاريع صغيرة أو متوسطة خاصة، والتنسيق مع الجهات الرسمية لتخفيض الرسوم على الواردات والضرائب لهذه المجموعات، وتقديم التسهيلات الإئتمانية وتوفير التدريب والاستشارات لهم.

كما يتوجب عليها العمل على تعزيز دور برامج دعم إنشاء المشاريع الريادية التي تستهدف فئة الشباب خاصة منهم الداخلين الجدد إلى سوق العمل ومن يفقدون وظائفهم نتيجة الجائحة، وتدعيم شبكة الحمايات الإجتماعية كالضمان الإجتماعي وشمول مختلف شرائح العمال غير الرسميين بتأميناته، وتخفيض قيمة إشتراكاته التي تعتبر من الأعلى عالميا وتدفع العمال وأصحاب العمل للتهرب من الشمول، ورفد صندوق التعطل بموارد إضافية لتمكينه من الوفاء بالتزاماته تجاه الأعداد المتوقعة ممن سيفقدون وظائفهم، وتوفير التأمين الصحي للجميع والخدمات الطبية المجانية لغير المقتدرين، ومراجعة حجم التمويل المخصص لبرامج الحماية الاجتماعية، حيث لا بديل عن زيادة حجم الإنفاق عليها، كي تتمكن من الوفاء بالتزاماتها، وتنفيذ إصلاحات عاجلة لمشاكل الفقر وعدم المساواة، وتحسين القدرات المؤسسية للجهات المعنية بذلك، بعد الإعلان عن مؤشرات الفقر الحقيقية بالتفصيل.

ومن الضرورة بمكان أن يتم تفعيل الحوار الإجتماعي بين الحكومة والعمال وأصحاب العمل للوصول إلى تفاهمات مرضية للجميع تتضمن حلولا للتحديات التي تواجه سوق العمل تتسم بالفعالية والإنصاف، ومعالجة الضعف الكبير في شروط العمل اللائق الذي ظهر جليا في عدد من قطاعات العمل، وضعف العمال وافتقادهم للممكنات اللازمة لمواجهة الأزمات والحفاظ على حقوقهم، وإعادة بناء منظومة التشريعات والممارسات ذات العلاقة بسوق العمل لتكون أكثر أمانا وعدلا واستدامة، وأكثر فاعلية في التصدي للأزمات والتخفيف من آثارها.

كما يجب دراسة فكرة إيجاد أداة قانونية بشأن "الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع غير المنظم"، على أن تشتمل برامج (التأمين الصحي وإصابات العمل والإعاقة، والبطالة، والراتب التقاعدي، ورعاية الأطفال وإجازة الأمومة(، على أن يتم تخصيص صندوق خاص بهذه الفئة يكون مصدر إيراداته من (نسبة اشتراك رمزية للعاملين، (1%) من صافي أرباح الشركات في الاقتصاد المنظم، (1%) من الضرائب، مصادر أخرى).