توقعات تزايد أعداد الأطفال العاملين في زمن الكورونا

تقرير "بيت العمال" بمناسبة اليوم العالمي لعمل الأطفال 12 حزيران 2020 .pdf

في ظل توقعات بتزايد أعداد المتعطلين عن العمل وانخفاض الدخل للعديد من العاملين، سواء من العمالة المنظمة أو غير المنظمة (عمال المياومة والعاملين لحسابهم الخاص) وتعرضهم للوقوع في الفقر نتيجة الأزمة الحالية، فإن ازدياد أعداد الأطفال العاملين ستكون نتيجة حتمية لانحسار الخيارات المتاحة أمام عدد كبير من الأسر لتعويض فقدانهم لوظائفهم أو انخفاض الدخل الذي كانوا يعتاشون منه والذين يتوقع أن يصل عددهم إلى 400 ألف أسرة، حيث ستلجأ الكثير من الأسر إلى استخدام أطفالها في أعمال قد لا يستطيع الكبار ممارستها إما لانخفاض الأجور فيها أو لتفضيل بعض أصحاب العمل تشغيل الأطفال فيها لسهولة السيطرة عليهم واستغلالهم، وكذلك تشغيلهم في أعمال لا ترتبط بصاحب العمل كأعمال البيع في الشوارع.

لقد تضاعف عدد الأطفال العاملين في المملكة من (33) ألف في عام 2007، إلى ما يقرب من (70) ألف عام 2016 وفق المسح الذي أجري بالتعاون بين الحكومة الأردنية ومنظمة العمل الدولية، منهم حوالي (45) ألف يعملون في أعمال خطرة، حيث بلغ إجمالي عدد الأطفال العاملين في الفئة العمرية 5-17 عاما (75982) طفلا، منهم (69661) تنطبق عليهم صفة عمل الأطفال المحظور قانونا، ومنهم (44917) يعملون في أعمال خطرة، ومن حيث الجنسية فقد بلغ عدد الأطفال الأردنيين (60787)، والسوريين (11098)، و(4096) من جنسيات أخرى، ويشكل الذكور بحسب المسح نسبة (89%) مقابل (11%) للإناث، وتتمثل أبرز النشاطات الاقتصادية التي يعملون بها في "تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات" بنسبة 29%، يليه العمل في "الزراعة والحراجة" 28%، وفي "الصناعات التحويلية والانشاء والتشييد" 11% لكل منهما، والباقي في أعمال أخرى متنوعة.

الفقر العامل الرئيسي لعمل الأطفال 

وكان للظروف المعيشية الصعبة التي واجهت فئات من المجتمع الأردني نتيجة ازدياد معدلات الفقر والبطالة والتفاوت في المستويات الإقتصادية، وانعكاس ذلك على قدرة الأسر في تأمين احتياجاتها الأساسية وعلى رأسها الغذاء والسكن، والوصول إلى الخدمات خاصة في مجالي الصحة والتعليم، الأمر الذي أدى إلى اتساع مشكلة عمل الأطفال، التي تلقي بآثارها الخطيرة على الأطفال الذين يمارسون العمل في مرحلة عمرية مبكرة على حساب التعليم الأساسي والتدريب الملائم لقدراتهم، فضلا عن حرمانهم من ممارسة حياتهم في ظروف طبيعية تتلاءم مع أعمارهم.

التشريع الأردني ومعايير العمل الدولية

شكلت مصادقة الأردن على اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 منطلقاً هاماً لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطراً، أو يمثل إعاقة لتعليمه، أو ضرراً بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي، واتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذه الحماية، وبشكل خاص وضع حد أدنى لسن الاستخدام، ونظام ملائم لساعات العمل وظروفه، وفرض عقوبات مناسبة لضمان فعالية تطبيق هذه النصوص.

وقد أكد الأردن رغبته في تحقيق مبادئ الحد من عمل الأطفال من خلال مصادقته عام 1997 على اتفاقية العمل الدولية رقم (138) لسنة 1973 بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام"، التي وضعت حداً أدنى لسن العمل هو سن إتمام التعليم الإلزامي واعتبرت انه لا يجوز أن يقل عن الخامسة عشرة، كما منعت تشغيل الأطفال حتى سن الثامنة عشرة في الأعمال التي يحتمل أن تعرض للخطر صحة أو سلامة أو أخلاق الأحداث بسبب طبيعتها أو الظروف التي تؤدى فيها، ومصادقته عام 2000 على اتفاقية العمل الدولية رقم (182) لسنة 1999 بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال" التي حثت على القضاء الفوري على أسوأ أشكال عمل الأطفال تمهيدا للقضاء التام والكلي على كافة أشكال عمل الأطفال، وأكدت على أهمية التعليم الأساسي المجاني وإعادة تأهيل الأطفال العاملين ودمجهم اجتماعيا مع العناية بحاجات أسرهم.

وقد عمل المشرع الأردني على عكس هذه المبادئ في قانون العمل، حيث منع تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشر من عمره بأي صورة من الصور، كما منع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ الثامنة عشر من عمره، وتم تحديد هذه الأعمال بقرار صدر عن وزير العمل بهذا الخصوص، ومنع تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات في اليوم الواحد مع إعطاءه فترة راحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد كل أربع ساعات عمل متصلة، ومنع تشغيله ما بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحا وفي الأعياد الدينية والعطل الرسمية والعطل الأسبوعية، وعاقب صاحب العمل المخالف لأي من هذه الأحكام بغرامة ما بين (300) و(500) دينار.

دور الجهات الرسمية

في عام 2006 تم وضع "الإستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال" بالتعاون بين وزارة العمل ونحو 35 مؤسسة حكومية وغير حكومية من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، ترتكز على المبادئ التي أقرتها اتفاقيات العمل الدولية التي صادق عليها الأردن، إلا أن هذه الإستراتيجية لم توضع موضع التطبيق رغم البرامج الهامة التي تضمنتها، وفي عام 2009 تم تشكيل اللجنة الوطنية لعمل الأطفال برئاسة وزارة العمل لتتولى التنسيق بين الجهات المعنية بعمل الأطفال والتشاور حول السياسات والتشريعات ذات العلاقة، إلا أن أداء هذه اللجنة لم يرق إلى المستوى المأمول منها وافتقدت إلى آليات العمل الفعالة والإجتماعات الدورية، كما تم في عام 2011 وضع الإطار الوطني لمكافحة عمل الأطفال، ليحدد أسس التعامل مع حالات عمل الأطفال، والأدوار والمسؤوليات الواجب على الجهات المختلفة تبنيها وخاصة وزارات (العمل والتربية والتعليم والتنمية الإجتماعية)، لتقديم الخدمات للأطفال العاملين وأسرهم بصورة متكاملة شمولية، تعمل على حماية الطفل من الإنخراط في العمل، وتعيده إلى مكانه الطبيعي على مقاعد الدراسة، إلا أنه ومن المؤسف أن الجهد الذي تم في وضع هذا الإطار لم يترجم إلى إجراءات لتطبيقه من الوزارات الثلاث المعنية به، ولم تفعل آليات تطبيقه وبشكل خاص النظام المحوسب المفترض أن يتم من خلاله التعامل مع حالات عمل الأطفال وتبادل المعلومات بشأنها.

وفي ضوء الآثار الإقتصادية لجائحة الكورونا وتداعياتها على الأسر ودفع العديد منها لتشغيل أطفالها لتعويض الدخل الذي فقدته، فقد أصبح من الضروري على الحكومة وشركائها التحرك بسرعة للحد من تفاقم هذه المشكلة، وبشكل خاص من خلال إجراءات عاجلة على مستوى السياسات الإجتماعية، وتطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الإقتصادية لأسر الأطفال المعرضين للإنخراط في سوق العمل، وتطوير سياسات الحد من البطالة، وتفعيل دور صندوق التعطل ورفده بالموارد اللازمة لتمكينه من الوفاء بالتزاماته تجاه الأعداد غير المسبوقة المتوقع انضمامها إلى صفوف البطالة، وشمول عمال المياومة والعاملين لحسابهم الخاص بمظلة الضمان الإجتماعي، وربط الأسر المتضررة بشبكات الأمان الاجتماعي، وتطوير نظام متابعة لأسر الأطفال العاملين والمشردين لتقديم الدعم الاجتماعي والإرشادي لهم.

ولا يجوز بأي حال اعتبار إجراءات التفتيش التي تتولاها وزارة العمل بحق أصحاب العمل ومعاقبتهم حلا نهائيا لمعالجة مشكلة عمل الإطفال، بما أن فقر الأسرة وضعف إمكاناتها المادية تقف خلف معظم حالات عمل الأطفال، الأمر الذي يتطلب جهودا مكثفة للتعامل مع هذه القضية من هذا الجانب، بتوفير الخدمات والبرامج التي تحارب الفقر وأسبابه وبشكل خاص بتوفير بدائل إقتصادية للأسر.

كما لا بد من وضع استراتيجية وطنية جديدة للحد من عمل الأطفال، وتفعيل دور اللجنة الوطنية لعمل الأطفال ووضع نظام خاص ينظم عملها ومهامها وآلية اجتماعاتها، ومراجعة الإطار الوطني ومعالجة أسباب تعثر تطبيقه ووضع الحلول المناسبة لها، كما تعتبر الحاجة لإنشاء قاعدة بيانات وطنية خاصة بعمل الأطفال ذات أهمية كبرى، بحيث تشمل على البيانات المتعلقة بالأطفال العاملين وكذلك المنقطعين والمتسربين من المدارس، وحالات التسول، وحالات الباعة المتجولين، العابثين في النفايات بحيث تكون هذه المعلومات متاحة لجميع الجهات المعنية بقضايا عمل الأطفال.