اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال

تقرير بيت العمال 12- 6 -2018

يصادف 12 حزيران من كل عام اليوم العالمي لمكافحة عمل الاطفال، الذي أقرته منظمة العمل الدولية بهدف زيادة الوعي بموضوع عمل الاطفال، حيث تشير التقديرات العالمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية إلى أن عدد الاطفال العاملين في العالم يقدر ب 218 مليون طفل عامل تتراوح اعمارهم بين 5-17 من بينهم 73 مليون يعمل في أعمال خطرة.

وبحسب نتائج المسح الوطني لعمل الأطفال في الأردن لعام 2016، الذي تم تنفيذه بالتعاون بين وزارة العمل ودائرة الإحصاءات العامة ومنظمة العمل الدولية، بلغ إجمالي عدد الأطفال العاملين في الفئة العمرية 5-17 عاما (75982) طفلا، منهم (69661) تنطبق عليهم صفة عمل الأطفال المحظور قانونا، ومنهم (44917) يعملون في أعمال خطرة، ويبلغ عدد الأطفال العاملين من الأردنيين (60787)، والسوريين (11098)، و(4096) من جنسيات أخرى، ويشكل الذكور بحسب المسح نسبة (89%) مقابل (11%) للإناث، وتتمثل أبرز النشاطات الاقتصادية التي يعملون بها في "تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات" بنسبة 29%، يليه العمل في "الزراعة والحراجة" 28%، وفي "الصناعات التحويلية والانشاء والتشييد" 11% لكل منهما، والباقي في أعمال أخرى متنوعة.

وتشير هذه الأرقام إلى تضاعف عدد الأطفال العاملين بالمقارنة مع المسح السابق الذي أجري عام 2007 من قبل دائرة الإحصاءات العامة ومنظمة العمل الدولية والذي كان يشير إلى أن عدد الأطفال العاملين في المملكة كان يبلغ نحو 33190 طفلا ممن أعمارهم 5-17 سنة، في وقت استقرت فيه نسبة الأطفال العاملين مقارنة بعدد السكان وجاءت متقاربة في المسحين، فبلغت في مسح 2007 (1.9%) من السكان، وفي مسح 2016 (1.89%) من السكان، الأمر الذي يشير إلى أن الزيادة في عدد الأطفال العاملين كان سببها الرئيسي الزيادة السكانية الكبيرة التي حصلت خلال هذه الفترة، إضافة إلى عامل اللجوء السوري إلى المملكة (أكثر من 11 ألف من الأطفال العاملين من الجنسية السورية).

الفقر العامل الرئيسي لعمل الأطفال

تشير الدراسات حول واقع عمل الأطفال في الأردن إلى أن الفقر وارتفاع معدلات البطالة وتدني مستوى المعيشة تشكل عوامل رئيسية لتسرب الأطفال إلى سوق العمل، حيث أن معظم أسر الأطفال العاملين تعاني من مشكلة الفقر أو من تعطل رب الأسرة عن العمل أو من عدم كفاية دخل الأسرة لتغطية احتياجاتها، حيث يساهم دخل الطفل العامل في هذه الحالات في تغطية بعض التزامات الأسرة، وهناك عوامل أخرى تلعب دورا في عمل الأطفال منها الأسباب التربويه التي تؤدي إلى التسرب المدرسي إما لغياب المتابعة من قبل المدارس والأهل للطلاب وسلوكهم وتحصيلهم الدراسي أو للعنف المدرسي وعدم ملائمة البيئة التعليمية، إضافة إلى الأسباب الاجتماعية كالتفكك الأسري وكبر حجم العائلة وتواضع المستوى الثقافي للأسرة، يضاف إلى ذلك توجه بعض أصحاب العمل لتشغيل الأطفال بسبب تدني أجورهم وسهولة السيطرة عليهم واستغلالهم.

التشريع الأردني ومعايير العمل الدولية

شكلت مصادقة الأردن على اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 منطلقاً هاماً لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطراً، أو يمثل إعاقة لتعليمه، أو ضرراً بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي، فقد أوجبت على الدول الأعضاء فيها اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذه الحماية، وبشكل خاص وضع حد أدنى لسن الاستخدام، ونظام ملائم لساعات العمل وظروفه، وفرض عقوبات مناسبة لضمان فعالية تطبيق هذه النصوص.

وقد أكد الأردن رغبته في تحقيق مبادئ الحد من عمل الأطفال من خلال مصادقته عام 1997 على اتفاقية العمل الدولية رقم (138) لسنة 1973 بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام"، التي وضعت حداً أدنى لسن العمل هو سن إتمام التعليم الإلزامي واعتبرت انه لا يجوز أن يقل عن الخامسة عشرة، كما منعت تشغيل الأطفال حتى سن الثامنة عشرة في الأعمال التي يحتمل أن تعرض للخطر صحة أو سلامة أو أخلاق الأحداث بسبب طبيعتها أو الظروف التي تؤدى فيها، ومصادقته عام 2000 على اتفاقية العمل الدولية رقم (182) لسنة 1999 بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال" التي حثت على القضاء الفوري على أسوأ أشكال عمل الأطفال تمهيدا للقضاء التام والكلي على كافة أشكال عمل الأطفال، وأكدت على أهمية التعليم الأساسي المجاني وإعادة تأهيل الأطفال العاملين ودمجهم اجتماعيا مع العناية بحاجات أسرهم.

وقد عمل المشرع الأردني على عكس هذه المبادئ في قانون العمل، حيث منع تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشر من عمره بأي صورة من الصور، كما منع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ الثامنة عشر من عمره، وتم تحديد هذه الأعمال بقرار صدر عن وزير العمل بهذا الخصوص، ومنع تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات في اليوم الواحد مع إعطاءه فترة راحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد كل أربع ساعات عمل متصلة، ومنع تشغيله ما بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحا وفي الأعياد الدينية والعطل الرسمية والعطل الأسبوعية، وعاقب صاحب العمل المخالف لأي من هذه الأحكام بغرامة ما بين (300) و(500) دينار.

دور الجهات الرسمية

في عام 2006 تم وضع "الإستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال" بالتعاون بين وزارة العمل ونحو 35 مؤسسة حكومية وغير حكومية من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، ترتكز على المبادئ التي أقرتها اتفاقيات العمل الدولية التي صادق عليها الأردن، إلا أن هذه الإستراتيجية لم توضع موضع التطبيق رغم البرامج الهامة التي تضمنتها، وفي عام 2009 تم تشكيل اللجنة الوطنية لعمل الأطفال برئاسة وزارة العمل لتتولى التنسيق بين الجهات المعنية بعمل الأطفال والتشاور حول السياسات والتشريعات ذات العلاقة، إلا أن أداء هذه اللجنة لم يرق إلى المستوى المأمول منها وافتقدت إلى آليات العمل الفعالة والإجتماعات الدورية، كما تم في عام 2011 وضع الإطار الوطني لمكافحة عمل الأطفال، ليحدد أسس التعامل مع حالات عمل الأطفال، والأدوار والمسؤوليات الواجب على الجهات المختلفة تبنيها وخاصة وزارات (العمل والتربية والتعليم والتنمية الإجتماعية)، لتقديم الخدمات للأطفال العاملين وأسرهم بصورة متكاملة شمولية، تعمل على حماية الطفل من الإنخراط في العمل، وتعيده إلى مكانه الطبيعي على مقاعد الدراسة، إلا أنه ومن المؤسف أن الجهد الذي تم في وضع هذا الإطار لم يترجم إلى إجراءات لتطبيقه من الوزارات الثلاث المعنية به، ولم تفعل آليات تطبيقه وبشكل خاص النظام المحوسب المفترض أن يتم من خلاله التعامل مع حالات عمل الأطفال وتبادل المعلومات بشأنها.

ونظرا للتأثيرات السلبية العديدة لعمل الأطفال من إقتصادية واجتماعية وصحية وثقافية وتأثيرها السلبي والمدمر في كثير من الحالات على الطفل وبشكل خاص في تطوره ونموه الجسدي والمعرفي والعاطفي والاجتماعي والأخلاقي، فلا بد من إيلاء هذه القضية اهتماما أكبر في جهود وإجراءات المؤسسات في القطاعين العام والخاص وبناء شراكات حقيقة فيما بينها والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لحماية الأطفال من الاستغلال الإقتصادي، وتخصيص موازنات في الوزارات المعنية لبرامج مكافحة عمل الأطفال، وبناء قدرات المؤسسات لتمكينها من توفير خدمات نوعية ومتكاملة، وتكثيف الجهود للكشف عن حالات عمل الأطفال، والإلتزام بتكثيف الزيارات التفتيشية الميدانية التي لا تتناسب حاليا في عددها وفعاليتها مع حجم وعدد المخالفات المرتكبة، واتخاذ الاجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين.

ولا يجوز بأي حال اعتبار إجراءات التفتيش التي تتولاها وزارة العمل بحق أصحاب العمل ومعاقبتهم حلا نهائيا لمعالجة مشكلة عمل الإطفال، خاصة إذا ما علمنا بأن فقر الأسرة وضعف إمكاناتها المادية تقف خلف معظم حالات عمل الأطفال، الأمر الذي يتطلب جهودا مكثفة للتعامل مع هذه القضية من هذا الجانب، بتوفير الخدمات والبرامج التي تحارب الفقر وأسبابه وبشكل خاص بتوفير بدائل إقتصادية للأسر كإيجاد فرص عمل لرب الأسرة التي يوجد بها طفل عامل أو للأخ الأكبر بما يمكن الطفل من العودة إلى الدراسة وإعادة إحياء صندوق الطالب الفقير الذي يجب ان يقدم دعماً يمكن الطالب من التوجه إلى المدرسة، وتوعية آباء الأطفال العاملين إلى أهمية التعليم والآثار السلبية لعمل الأطفال، وإيجاد آليات عمل واضحة للتعامل مع قضية التسرب من المدارس وعقابية لرب الأسرة المخالف لقواعد التعليم الإلزامي.

ولا بد من وضع استراتيجية وطنية جديدة للحد من عمل الأطفال، وتفعيل دور اللجنة الوطنية لعمل الأطفال ووضع نظام خاص ينظم عملها ومهامها وآلية اجتماعاتها، ومراجعة الإطار الوطني ومعالجة أسباب تعثر تطبيقه ووضع الحلول المناسبة لها، كما تعتبر الحاجة لإنشاء قاعدة بيانات وطنية خاصة بعمل الأطفال ذات أهمية كبرى، بحيث تشمل على البيانات المتعلقة بالأطفال العاملين وكذلك المنقطعين والمتسربين من المدارس، وحالات التسول، وحالات الباعة المتجولين، العابثين في النفايات بحيث تكون هذه المعلومات متاحة لجميع الجهات المعنية بقضايا عمل الأطفال.

السياسات الإقتصادية والإجتماعية والتعليمية:

فعلى مستوى السياسات الإقتصادية من المفترض اتخاذ الإجراءات لتقليل احتمالات دخول الأطفال إلى سوق العمل، وبشكل خاص التي تساهم في رفع معدل النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل بشكل أفضل والحد من التضخم وزيادة الاستثمار وإدارة الاقتصاد بشكل يضمن استغلال الموارد المادية والبشرية بشكل أفضل، ودعم وتشجيع إنشاء المشروعات الإنتاجية الأسرية الصغيرة التي تستهدف أسر الأطفال العاملين، وإنشاء شبكة أمان للفقراء وإعطاء الأولوية في العمل للأفراد البالغين من أسر الأطفال العاملين.

أما على مستوى السياسات الاجتماعية فيجب العمل على تطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الاجتماعية لأسر الأطفال العاملين أو المعرضين للإنخراط في سوق العمل، ودعم الأسر المعرضة للمخاطر الاجتماعية والنفسية وربطها بشبكات الأمان الاجتماعي وتعزيز دور المجتمع المحلي في تحسين ظروف الأسر المعرضة وحماية الأطفال المعرضين، وإعادة تأهيل الأطفال العاملين الذين تعرضوا لمشكلات اجتماعية أو نفسية ودمجهم في المجتمع وحمايتهم من الإساءة أو الإيذاء النفسي والجسدي أو العنف، وتصميم وتنفيذ برامج إرشادية لتغيير الاتجاهات الاجتماعية السلبية حول الأطفال العاملين، وتطوير نظام متابعة لأسر الأطفال العاملين والمشردين لتقديم الدعم الاجتماعي والإرشادي لهم.

وفي مجال السياسات التعليمية والتدريبية فإن زيادة الاستثمار في التعليم يمكن أن تخفض حجم عمل الأطفال بصورة كبيرة، خاصة إذا ما تحسنت نوعية التعليم والبيئة المدرسية، كما أن تخفيض تكاليف التعليم سيساهم في بقاء الطلبة في المدارس أو حتى إعادة من تسرب منهم إلى مقاعد الدراسة وإعادة تأهيلهم ودمجهم اجتماعيا. 

وللتدريب المهني دور هام في إكساب الطلبة معارف ومهارات واتجاهات تجعلهم أفرادا منتجين ومؤهلين لدخول سوق العمل بطريقة منظمة وهادفة، حيث يستطيع الطلاب بعد إنهاء مرحلة التعليم الأساسي اختيار المسار المناسب وذلك من خلال توسيع قاعدة المهارات المهنية في مرحلة التعليم الأساسي، كما يمكن تصميم وتنفيذ برامج تدريبية لأفراد أسر الأطفال العاملين ورفع كفاءتهم بما يمكنهم من دخول سوق العمل وتوفير معيشة كريمة لأسرهم بعيدا عن تشغيل أطفالهم.