البطالة في ظل جائحة كورونا

بيت العمال للدراسات - اكتوبر 2020

تعتبر البطالة في هذه المرحلة من أهم المشاكل التي تعاني منها دول العالم، فقد أصبحت مشكلة هيكلية في الإقتصاد العالمي، ولها آثارها السلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وقد خطى الأردن خلال العقد الماضي خطوات بطيئة في تحقيق التنمية الشاملة الإقتصادية والاجتماعية، فحقق النمو الاقتصادي الوطني مستويات متدنية خلال السنوات الأخيرة 2010-2019، وتأثرت معدلات البطالة نتيجة ذلك ونتيجة للمتغيرات التي شهدها الإقتصاد العالمي منذ العام 2009 بسبب الأزمة المالية العالمية.

تذبذبت معدلات البطالة في السنوات الماضية وتراوحت بين (11.9%) وهو أدنى مستوى لها عام 2014 وبين أعلى معدل وهو (15.3%) وسُجل عامي 2002 و2016، إلا أن خطورة المشكلة تكمن في القفزة غير المسبوقة عام 2017 حيث وصل معدل البطالة إلى (18.3%) وتوالى إرتفاعه ليصل في عام 2019 إلى (19.0%)، وفي الربع الأول من هذا العام 2020 سجل (19.3%)، (18.1% الذكور، 24.4% الإناث)، وهو معدل لا يعكس آثار أزمة الجائحة كونه يتعلق بالشهور الثلاثة الأولى من العام فقط، ولكنه يشير إلى أن أزمة البطالة كانت في تفاقم حتى قبل الجائحة وأن برامج وسياسات الحد منها لم تفلح، حيث يعتبر معدلاً غير مسبوق في تاريخ المملكة.

الشكل 1: معدلات البطالة والنمو للفترة 2000 - 2019

وعلى هذا الأساس عمدت الحكومة في عام 2016 إلى إطلاق مجموعة من السياسات والبرامج للحد من إرتفاع البطالة، إلا أن سياسات الحكومة هذه والآليات المستخدمة في توفير فرص العمل عجزت عن كبح هذه الزيادة المضطردة، بل على العكس من ذلك نجد أن المشكلة قد تفاقمت أكثر من ذي قبل.

وبظهور الأزمة الاقتصادية العالمية نتيجة إنتشار وباء (كورونا) التي ألقت بظلالها على كافة الاقتصاديات العالمية ومن ضمنها الاقتصاد الأردني، بالإضافة الى ما شهدته المنطقة من أحداث متوالية من عدم الاستقرار، وما رافق ذلك من متغيرات وضعت الاقتصاد الأردني أمام جملة جديدة من التحديات بالإضافة إلى ما كان يواجهه الاقتصاد الأردني من تحديات.

فبات الاقتصاد الأردني يقف الآن أمام واقع وتحد جديد يتمثل في توقعات تراجع النشاط الاقتصادي لعام 2020 بما يقدر بحوالي (-5.8)[1]، الأمر الذي سيؤدي إلى إحتمالية فقدان آلاف من العاملين وظائفهم، لا سيما العاملين في القطاع غير المنظم.

وقد أشار تقرير لمنظمة العمل الدولية إلى أن من المتوقع أن يشهد العالم تقليصاً للوظائف لنحو (195 مليون) وظيفة بدوام كامل، من بينها (5 ملايين) وظيفة في الدول العربية في الأشهر الثلاثة المقبلة (النصف الثاني من العام 2020)، وأضاف التقرير إلا أنه وبالرغم من أن جميع المناطق في العالم تعاني من الأزمة التي تسبب بها الفيروس، فستكون الدول العربية وأوروبا هي أكثر مناطق العالم التي ستتأثر اقتصاديا بسبب جائحة كوفيد-19، وبحسب المنظمة الدولية فإن تداعيات الجائحة على القطاع الاقتصادي ستفوق سوءا الأزمة المالية 2008-2009.

وفي الأردن نجد أن الأزمة الاقتصادية في ظل الكورونا قد تفاقمت بشكل خاص نتيجة فرض إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي في بعض القطاعات، والذي أحدث أضراراً كبيرة على الاقتصاد، من المتوقع أن يكون قد تسبب في فقدان الآلاف من الوظائف في سوق العمل الأردني، بما سينعكس سلبا على مستويات حياة الأفراد والأسر، في وقت يتوقع أن يصل فيه الدين العام لعام 2020 إلى حوالي (107.1%) من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى عجز الموازنة، وتراجع الاستثمارات، وديون الشركات والأفراد، وإرتفاع نسبة الفقر والبطالة، وإزدياد أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وغيرها من التحديات الداخلية، فضلاً عن الصعوبات والتحديات على المستوى الخارجي، إضافة إلى التحديات الأخرى المتمثلة في تأثر أجور شريحة واسعة من العاملين تقدر بما يقرب من نصف مليون عامل، وبالتالي عدم مقدرتهم على تأمين الإحتياجات الأساسية لهم ولأسرهم، والوفاء بالإلتزامات المترتبة عليهم كالأقساط والقروض والإيجارات وغيرها.

وفي ضوء توقعات البنك الدولي بأن يتراجع النمو الإقتصادي في الأردن لعام 2020 بمعدل (5.8%)، وحيث سجل الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات الإقتصادية عام 2018 (23,307) مليون دينار، ساهم في تحقيقه حوالي (862 ألف) عامل، وبالتالي فمن المتوقع عند تراجع الناتج المحلي الاجمالي بنسبة (5.8%) حسب توقعات البنك الدولي فقدان ما يقرب من (85 ألف) عامل وظائفهم في القطاع الخاص نتيجة هذه الأزمة، أما إذا تراجع النمو الإقتصادي بمعدل (10.0%) كما يتوقع بعض الخبراء في سيناريو أكثر تشاؤما فسيكون عدد العمال الذين سيفقدون وظائفهم حوالي (146 ألف) عامل.

كما ستساهم عوامل أخرى في التأثير على معدلات البطالة، وهي:

أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل.

أعداد المغتربين المسرحين من وظائفهم العائدين إلى الاردن من دول الخليج والدول الاخرى.

هيكلة القطاع العام.

فيقدر عدد الداخلين الجدد إلى سوق العمل سنويا بحوالي (100 – 110 آلاف) سنوياً، أما بالنسبة لموظفي القطاع الحكومي فقد أشار تقرير حالة البلاد إلى أن عددهم يقرب من (218 ألف) موظف وموظفة[4]، وقد بينت دراسة أجريت عام 2012 أن المعدل العام لعدد ساعات العمل المنتج لدى موظفي القطاع العام هو (4 ساعات) يومياً، مما يؤشر إلى وجود عدد كبير فائض عن الحاجة في القطاع الحكومي قبل جائحة كورونا، وقبل استخدام المنصات الإلكترونية، ما يعني إمكانية توجه الحكومة بطرق مختلفة إلى الإستغناء عن عدد كبير منهم، في ظل هيكلة خدمات وأعمال المؤسسات الحكومية واستخدام التكنولوجيا لتقديمها عن بعد مما سيقلل تدريجيا من الحاجة لجزء لا بأس به من الموظفين، وبأعداد قد تصل إلى ما بين (13 – 22 ألف) موظفا.

أما بالنسبة للمغتربين من دول الخليج والدول الاخرى فيقدر عددهم بحوالي (786 ألف) مغترب موزعين على 70 دولة (ما يعادل 10% من المواطنين الأردنيين) منهم أكثر من 570 ألف مغترب في دول الخليج، وفقاً لما يلي:

ويقدر عدد العاملين من مجموع المغتربين حوالي (329 ألف) عامل، (85 %) منهم يحملون الشهادة الجامعية الأولى فأكثر، 61% في السعودية، وبعض البيانات 40%، 14% في الإمارات، 12.5% في قطر، حيث يتوقع فقدان أكثر من 33 ألف عامل أردني في الخارج، بعضهم سيعود إلى وظيفته في المملكة، كونه كان في إجازة دون راتب، والبعض الآخر سينشئ مشروعه الخاص، والباقي سينضم إلى صفوف البطالة، وفي الغالب لن يستطيع سوق العمل المحلي استيعاب الكثير منهم في وظائف بأجر، نظرا لانخفاض مستويات الأجور السائدة بالمقارنة مع مستويات أجورهم في بلاد الإغتراب، ولطبيعة خبراتهم وتخصصاتهم مرتفعة المستوى، ويكمن الحل في تمكينهم من إنشاء مشاريع ريادية واستثمارات خاصة بهم، الأمر الذي يتطلب وضع برامج تحفيزية لهم ومنحهم التسهيلات والإعفاءات اللازمة.

القطاعات الأكثر تأثرا:

رغم أن جميع القطاعات الاقتصادية قد تعرضت لتأثيرات سلبية نتيجة الوباء، إلا أن هذه التأثيرات كانت متفاوتة من قطاع لآخر، حيث ستكون القطاعات المبينة في الشكل أدناه الأكثر تأثراً فيما يتعلق بالوظائف المفقودة.

كما سيمتد هذا التأثير على مستوى الأفراد والوظائف في القطاع الخاص بسبب عدم استحداث الوظائف إضافة إلى إلغاء وظائف قائمة، وكذلك على مستوى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، خاصة وأن ما يقرب من نصف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهي المشغل الأكبر في المملكة والتي تشكل ما يقرب من (90%) من المؤسسات، لا تثق بقدرتها على الصمود أمام هذه الأزمة، حيث تبدو المؤسسات الصغيرة أكثر قلقا بحكم وضعها الأكثر عرضة للخطر.

كما من المتوقع أن تكون بعض فئات العاملين أكثر تأثرا بأزمة الوظائف من فئات أخرى، مما يفاقم عدم المساواة، وبشكل خاص من يعملون في وظائف أقل حماية وأدنى أجراً، لا سيما الشباب والعاملين الأكبر سناً والنساء، بسبب ضعف الحماية الإجتماعية، وبسبب تركز النساء بنسب كبيرة في الوظائف متدنية الأجر وفي القطاعات المتضررة.

النتائج المتوقعة:

سيكون من النتائج الحتمية للأزمة اتساع شريحة الفقراء والمتعطلين عن العمل، وانخفاض النمو الإقتصادي بشكل ملموس، حيث سيتأثر سوق العمل من جوانب متعددة منها:

  • زيادة معدلات البطالة (توقع فقدان ما بين 85 و146 ألف وظيفة حتى نهاية العام).

  • ارتفاع ملموس في معدلات بطالة الشباب والداخلين الجدد إلى سوق العمل، نتيجة عدم قدرة الإقتصاد على توليد فرص عمل جديدة وتراجع الإستثمارات.

  • احتمال عودة أعداد من العاملين في الخارج الفاقدين لوظائفهم نتيجة الضغوطات الإقتصادية التي تعاني منها الدول التي يعملون بها، وخاصة الدول الخليجية.

  • زيادة نسب تشغيل الأطفال (بعض الأسر لن تجد لها حلا إلا باستخدام أطفالها في العمل).

  • انخفاض معدلات المشاركة الإقتصادية، خاصة مشاركة المرأة التي عادة ما تكون أقل قدرة على الحصول على فرص عمل من الذكور، حيث ستزيد الأزمة في عزلتها وبعدها عن سوق العمل وانضمامها إلى صفوف المحبطين الذين يتوقفون عن البحث عن فرصة العمل لشعورها بعدم جدوى ذلك.

  • زيادة أعداد المستفيدين من صندوق التعطل الذي لن يستطيع في المستقبل القريب أن يفي بالتزاماته إذا لم يتم دعمه من مصادر أخرى، خاصة بعد أن تم استنفاذ جزء كبير من مدخراته لغير غاياته، بناء على تعديلات قانون الضمان لعام 2019 التي سمحت بالسحب منه لغايات التعليم والصحة، حيث بلغت المبالغ المسحوبة منه لهذه الغايات 200 مليون دينار حتى نهاية 2019.

  • زيادة حجم النزاعات العمالية الفردية والجماعية نتيجة توسع حالات إنهاء الخدمات في قطاعات متعددة وانهيار العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو إعادة الهيكلة التي بدأت على نطاق واسع خاصة في العقود محددة المدة، حيث تتوقع مجموعة كابيتال إيكونوميكس أن إنهيار مؤسسات القطاع السياحي وحدها سيؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (2-3%).

الحلول المقترحة:

في ظل هذه النتائج المتوقعة لآثار الجائحة يتوجب على الحكومة أن تعمل على جملة من الحلول، وبشكل خاص:

  • حفز الإقتصاد ودعمه لزيادة الطلب على الأيدي العاملة باستخدام الأدوات المالية المتاحة وتخفيف عبء الديون والإلتزامات المالية الأخرى كالرسوم والضرائب.

  • تخصيص حزمة برامج إنقاذ سخية تتضمن مساعدات فورية للشركات للحفاظ على فرص العمل، والتوسع في القروض التي تستهدف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإلغاء الشروط والقيود والإجراءات التي أدت مؤخرا إلى صعوبات في وصولها إلى الدعم الذي تحتاجه.

  • التركيز على القطاعات الأكثر تضررا، كشركات السياحة والسفر والمطاعم والصناعات التصديرية، وأن يكون الهدف الرئيسي للبرامج تفادي موجة متوقعة من الإنهيارات في المؤسسات المتضررة، ووضع الخطط اللازمة لإنقاذها، وذلك من خلال رصد الآثار المتوقعة لكل قطاع بالتعاون مع ممثليه وحصر الأضرار القائمة والمستقبلية.

  • تعزيز دور برامج دعم إنشاء المشاريع الريادية التي تستهدف فئة الشباب خاصة منهم الداخلين الجدد إلى سوق العمل ومن يفقدون وظائفهم نتيجة الجائحة.

  • تدعيم شبكة الحمايات الإجتماعية كالضمان الإجتماعي وشمول مختلف شرائح العمال غير الرسميين بتأميناته، وتخفيض قيمة إشتراكاته التي تعتبر من الأعلى عالميا وتدفع العمال وأصحاب العمل للتهرب من الشمول، ورفد صندوق التعطل بموارد إضافية لتمكينه من الوفاء بالتزاماته تجاه الأعداد المتوقعة ممن سيفقدون وظائفهم، وتوفير التأمين الصحي للجميع والخدمات الطبية المجانية لغير المقتدرين، ومراجعة حجم التمويل المخصص لبرامج الحماية الاجتماعية، حيث لا بديل عن زيادة حجم الإنفاق عليها، كي تتمكن من الوفاء بالتزاماتها.

  • تنفيذ إصلاحات عاجلة لمشاكل الفقر وعدم المساواة، وتحسين القدرات المؤسسية للجهات المعنية بذلك، بعد الإعلان عن مؤشرات الفقر الحقيقية بالتفصيل.

  • تفعيل الحوار الإجتماعي بين الحكومات والعمال وأصحاب العمل للوصول إلى تفاهمات مرضية للجميع تتضمن حلولا للتحديات التي تواجه سوق العمل تتسم بالفعالية والإنصاف.

  • معالجة الضعف الكبير في شروط العمل اللائق الذي ظهر جليا في عدد من قطاعات العمل، وضعف العمال وافتقادهم للممكنات اللازمة لمواجهة الأزمات والحفاظ على حقوقهم.

  • إعادة بناء منظومة التشريعات والممارسات ذات العلاقة بسوق العمل لتكون أكثر أمانا وعدلا واستدامة، وأكثر فاعلية في التصدي للأزمات والتخفيف من آثارها.

  • جمع وتحليل البيانات والمعلومات المتعلقة بالقطاع غير المنظم للاستفادة من نتائجها في التعرف على تدفقات العمالة والتغيرات الهيكلية في سوق العمل وتقدير مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي وقياس مدى تأثيره في معدلات الفقر والبطالة والإنتاجية.

  • دراسة مشروع أداة قانونية بشأن "الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع غير المنظم"، على أن تشتمل برامج (التأمين الصحي وإصابات العمل والإعاقة، والبطالة، والراتب التقاعدي، ورعاية الأطفال وإجازة الأمومة(، على أن يتم تخصيص صندوق خاص بهذه الفئة يكون مصدر إيراداته من (نسبة اشتراك رمزية للعاملين، (1%) من صافي أرباح الشركات في الاقتصاد المنظم، (1%) من الضرائب، مصادر أخرى).

  • إقامة هيئات داعمة للعمل للحساب الخاص والأنشطة المدرة للدخل، من خلال الاشراف على إنشاء مجموعات من المنتجين لإقامة مشاريع صغيرة أو متوسطة خاصة، والتنسيق مع الجهات الرسمية لتخفيض الرسوم على الواردات والضرائب لهذه المجموعات، وتقديم التسهيلات الإئتمانية وتوفير التدريب والاستشارات لهم.