28 Apr
28Apr

جائحة الكورونا كشفت عن فجوات تشريعية وتنظيمية واسعة في مجال السلامة والصحة المهنية 

إصابة عمل كل 37 دقيقة، ووفاة واحدة كل يومين للمشمولين بالضمان 

أكثر من نصف مليون عامل و69% من المؤسسات غير مشمولين بالضمان ولا يتم رصد حوادث العمل التي يتعرضون لها 

الرقابة على التزامات السلامة والصحة المهنية تشمل سنويا فقط 5 آلاف مؤسسة من أصل أكثر من 180 ألف مؤسسة عاملة في المملكة 

 (4%) من الناتج المحلي الإجمالي يضيع نتيجة تكاليف الإصابات

أصدر "بيت العمال للدراسات" تقريره السنوي بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل أشار فيه إلى أن جائحة الكورونا قد كشفت عن فجوات تشريعية وتنظيمية واسعة في مجال السلامة والصحة المهنية، سواء من حيث مدى تغطية التشريعات للمؤسسات والعاملين في ظل عدم شمول قطاعات واسعة من العاملين بالتغطية والحماية في قانوني العمل والضمان الإجتماعي خاصة العاملين في الإقتصاد غير المنظم، وعدم قدرة الجهات الرسمية على فرض رقابتها على معظم المؤسسات ومواقع العمل، إضافة إلى أن التوسع في أشكال العمل المرنة والعمل عن بعد لم يواكبة وضع إطار تشريعي ناظم للعلاقة بين العامل وصاحب العمل، ومن ذلك ما يتعلق بحدود مسؤوليات صاحب العمل عن توفير شروط وبيئة العمل اللائقة والآمنة التي تؤدى خارج مقر العمل، ومسؤوليته تجاه حوادث العمل خلال تأدية هذه الأعمال، وهي أمور كان يجب تنظيمها في نظام العمل المرن وتعليماته التي أوجب القانون إصدارها في تعديلات عام 2019 ولكنها لم تصدر لغاية الآن.   

وبين بأن الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي تشير إلى وقوع ما معدله 14 ألف حادث عمل سنويا تتسبب في إصابات، منها حوالي 200 وفاة إصابية، بمعدل إصابة عمل كل 37 دقيقة، ووفاة واحدة كل يومين، حيث يشكل قطاع الصناعات التحويلية أعلى نسبة في حوادث العمل بنسبه تزيد على 30% من إجمالي الإصابات، يليه قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبه 18%، ثم قطاع الإنشاءات بنسبه 13%، وتشكل الإصابات الناجمة عن سقوط الأشخاص النسبة الأعلى من إصابات العمل، بأكثر من 30% من إجمالي الإصابات، يليها سقوط الأشياء بنسبة 14%، ثم الإصابات الناجمة عن أدوات العمل اليدوي التي بنسبة 12%. 

إلا أن التقرير يؤكد بأن هذه الارقام لا تعكس الأعداد الفعلية والحقيقية لإصابات العمل في الأردن، والتي من المؤكد بأنها أكثر من ذلك بكثير لعدة أسباب، فالعاملون في الإقتصاد غير المنظم الذين تشير التقديرات بأنهم يشكلون ما يقرب من 48% من مجموع العاملين في المملكة هم في الغالب غير مشمولين بالضمان الإجتماعي، كما أن القطاع الزراعي الذي ما زال عاملوه غير مشمولين بالضمان يعتبر عالميا الأعلى في نسب إصابات العمل من بين مختلف قطاعات العمل الأخرى، وبالمجمل وحسب أرقام المؤسسة العامة للضمان الإجتماعي لعام 2019 يبلغ عدد المنشآت المشمولة بالضمان (54809) منشأة، أي ما يمثل حوالي 31% من المنشآت العاملة، كما يبلغ عدد المشتركين من العاملين في القطاع الخاص حوالي 700 ألف، ما يعني أن أكثر من نصف مليون عامل غير مشمول بالضمان، يضاف إلى ذلك أن بعض المنشآت المشمولة بالضمان تعمد إلى عدم التبليغ عن الإصابات وتفضل تغطية النفقات المترتبة عليها من خلال شركات التأمين بهدف الحفاظ على ملفها نظيفا لدى الضمان الإجتماعي. 

ويشير تقرير "بيت العمال" إلى أنه في ظل جائحة الكورونا واجهت الحكومة وأصحاب العمل والعمال ومنظماتهم تحديات هائلة في التصدي لآثارها والحفاظ على تدابير السلامة والصحة المهنية وزيادة الوعي بشأن تبني ممارسات مأمونة في أماكن العمل، في وقت تزداد فيه أهمية دور الوعي والمتابعة الحثيثة في قطاع العمل المنظم وكذلك وبشكل أكبر في القطاع غير المنظم، فضلا عن المخاوف التي ما زالت قائمة بشأن كيفية التوسع في استئناف النشاطين الاقتصادي والاجتماعي مع ضمان الحد من انتشار العدوى. 

مشددا على أن معايير العمل الدولية قد رتبت على أصحاب العمل مسؤوليات اتخاذ التدابير الوقائية والحمائية في العمل دون تكبيد العاملين أي كلف عن ذلك، وتوفير المعلومات اللازمة لهم حول سبل وإجراءات التعامل مع الوباء، كما ضمنت أن يكون للعامل حق الإنسحاب من موقع العمل إذا كان تواجده فيه يشكل تهديدا حقيقيا لصحته، إضافة إلى اعتبار الإصابة بالكورونا والإضطرابات النفسية اللاحقة للإصابة مرضا مهنيا، إذا كانت الإصابة ناجمة بصورة مباشرة عن العمل والأنشطة المتصلة به، وبذلك يستحق التعويضات والرعاية الطبية اللازمة، وفي حالة الوفاة تعويض ورثته، إلا أنه في الواقع العملي فقد تكررت المخالفات المرتكبة بحق العاملين المصابين بالكورونا، وبشكل خاص من حيث عدم اعتبار فترة تغيبهم عن العمل نتيجة الإصابة إجازة مرضية، لا بل تم في العديد من الحالات خصم فترة التغيب من أجور العاملين، كما لم تراعى في حالات أخرى قواعد حماية المصابين بأمراض مزمنة تعرضهم لخطر شديد في حال الإصابة بالفيروس، سواء بالسماح لهم بالعمل عن بعد أو بمنحهم إجازات مدفوعة الأجر أو باعتماد ترتيبات أخرى تحميهم من أخطار الإصابة.

 ويؤشر التقرير على نقص واضح لدى وزارة العمل في الكوادر البشرية المتخصصة بالرقابة على مدى الإلتزام بشروط السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل، الأمر الذي تسبب في أن تبقى العديد من المنشآت خارج نطاق عمليات التفتيش ولا تحظى بالمساعدة الفنية الكافية أو بالنصح والإرشاد الذي تقدمه الوزارة لأصحاب العمل والتوجيه الفني حول السبل اللازمة لتطوير أدائها في هذا الشأن وفي توفير الحمايات من الحوادث والإصابات، فالمعدل السنوي للزيارات التي يقوم بها مفتشو العمل في مجال السلامة والصحة المهنية بحدود 5 آلاف زيارة، بينما يبلغ عدد المؤسسات العاملة في المملكة حسب دائرة الإحصاءات العامة (180680) مؤسسة، الأمر الذي يتطلب دعم وزارة العمل بكوادر متخصصة ومؤهلة وبأعداد كافية، واعتماد الوسائل الحديثة للتفتيش وحوسبة أعماله وتفعيل وسائل التفتيش عن بعد وبأقل عدد من الزيارات الميدانية ووضع وتنفيذ القواعد الخاصة بالتفتيش الذاتي للمنشآت. 

وعلى الصعيد التشريعي، يشير التقرير إلى أنه وبالرغم من أن قانون العمل قد أفرد فصلا خاصا لموضوع السلامة والصحة المهنية وصدر بموجبه عدد من الأنظمة والتعليمات خاصة فيما يتعلق بالاحتياطات اللازمة لحماية المؤسسة والعاملين فيها من أخطار العمل ووسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين وغير ذلك، إلا أن التشريع الأردني لا زال بحاجة إلى نصوص أكثر شمولية وتفصيلا من النواحي الفنية  تتضمن توجيهات متخصصة للوقاية من الأخطار على مستوى كل قطاع، وبصورة خاصة في القطاعات الأكثر تعرضا لحوادث العمل وهي الزراعة والإنشاءات والصناعات التحويلية، إضافة إلى أهمية المصادقة على إتفاقيات العمل الدولية الأساسية في السلامة والصحة المهنية وعلى رأسها الاتفاقية رقم 187 الخاصة بالإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنية، والإتفاقية رقم 155 الخاصة بالسلامة والصحة المهنيتين، الأمر الذي سيساهم في تطوير الأداء التشريعي والتنظيمي للأردن في هذا المجال وتحفيز الجهات والمنظمات الدولية لتقديم الدعم الفني اللازم لذلك. 

ويؤكد تقرير "بيت العمال" على أهمية وجود استراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية أهمية كبرى للدولة لتطوير أدائها وللحد بأكبر قدر ممكن من حوادث وإصابات العمل ولضمان التنسيق الكامل بين كافة الجهات المعنية بحيث تتحمل كل منها مسؤوليات القيام بالمهام والواجبات المطلوبة منها، عملا بالمعايير الدولية بهذا الخصوص والممارسات الفضلى التي أولت موضوع التخطيط الإستراتيجي والبرامج والخطط الوطنية المرتبطة بها أولوية كبرى، خاصة وأن 4% من الناتج المحلي الإجمالي يضيع نتيجة تكاليف الإصابات والإعاقات والوفيات الناجمة عنها والعلاجات والتعويضات والتغيب عن العمل. 

مبينا أنه في ظل تعدد الجهات المعنية بالسلامة والصحة المهنية، وتنوع القطاعات الإقتصادية التي تتطلب معالجات خاصة لكل منها وسياسات وبرامج متخصصة تراعي طبيعة بيئة العمل فيها والأجهزة والآليات المستخدمة وأشكال الأخطار التي قد يتعرض لها العاملين فيها للحوادث والإصابات، فما زالت جهودنا غير موحدة وما زالت الشراكة مع القطاع الخاص في أدنى مستوياتها، فغياب التنسيق بين الجهات المعنية يظهر جليا من خلال عدم وجود آليات واضحة للرصد وللتحقيق في حوادث وإصابات العمل بالتنسيق بين الجهات الرقابية والأمنية والصحية، كما أن دور النقابات العمالية والهيئات الممثلة لأصحاب العمل لازال قاصرا في بعديه الاقتصادي والاجتماعي، ولا نكاد نرى لها أي مشاركات سوى في بعض الأنشطة التدريبية. 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.