03 Jul
03Jul

الغد- رانيا الصرايرة- يهدد “شبح التسفير” حرمان طفلين أردنيين دون الخامسة من حضن والدتهما عربية الجنسية، مدى الحياة، تحت ذريعة مخالفة تعليمات العمل لغير الأردنيين. 

الأم، التي انفصلت عن زوجها الأردني عام 2016 بعد أن انجبت منه توأما عمرهما اليوم خمس سنوات، موقوفة في مركز أمن الحسين منذ أكثر من أربعين يوما بعد إصدار قرار تسفير بحقها استندت فيه وزارة العمل إلى تأكيد مفتشيها أنها كانت تعمل في مصنع في سحاب؛ ما يعد مخالفة لقانون العمل الذي يلزم غير الأردني باستصدار تصريح عمل، وهو ما ينفيه ذووها الذين يؤكدون أنها وقت ضبطها من قبل المفتشين كانت تبحث عن عمل ولم تكن تعمل بالفعل.

الأم، وهي المعيلة الوحيدة لطفليها اليوم، بعد صدور شهادة حكومية تؤكد إصابة الأب بإعاقة ذهنية تمنعه من تولي شؤون طفليه، وقعت في دائرة شائكة  لا تعلم كيف تخرج منها، فهي في الأساس لا تستطيع تدبير المبلغ المالي الذي تفرضه وزارة العمل على كل عامل غير أردني صدر بحقه قرار تسفير لإلغاء هذا القرار ومقداره ثلاثة الآف دينار، وبنفس الوقت تواجه شبح التسفير وترك طفليها دون معيل، بعد تخلي المقربون من جهة الأب عنهما.

وتستند وزارة العمل في إصدارها قرارات التسفير على المادة 12 من قانون العمل التي تلزم كل عامل غير أردني باستصدار تصريح عمل يتم تجديده سنويا، وبحال تخلّف العامل عن استصدار أو تجديد التصريح تستطيع الوزارة اتخاذ قرار بتسفيره، يلحقه منعه من دخول الأردن لمدة ثلاث سنوات، مع إعطاء صلاحيات للوزارة بإلغاء قرار تسفير بحال دفع العامل ثلاثة الآف دينار.

وفي الوقت الذي يؤكد أهل الأم الموقوفة، أنها لم تكن تعمل بل كانت تبحث عن عمل، بيّن مصدر في وزارة العمل أن محضر ضبط هذه العاملة يؤكد أنها كانت تعمل في احد مصانع سحاب، وصدر قرار بتسفيرها على هذا الأساس.

الطفلان اليوم برفقة احد الأقارب من جهة الأم، الذي يقول “الأم في الأصل مولودة في عمان ولا تعرف وطنا غيره، حيث يعمل والدها في الأردن منذ بداية الثمانينات، درست هنا وتزوجت عام 2014 ليتم طلاقها عام 2016 ، بعد إنجابها لطفلين هي المعيل الوحيد لهما قررت البحث عن عمل، لم تجده، وفي احد الأيام أثناء بحثها عن عمل في سحاب، تم توقيفها من قبل مفتشي وزارة العمل ليصدر بعد ذلك قرار بتسفيرها”.

الأم، لا تستطيع الاستفادة من أسس تعتمدها وزارة العمل لإلغاء التسفير بقرار من وزير العمل احدها ينص على أن يكون العامل غير الأردني زوج لأردنية، أو أن تكون العاملة زوجة اردني، لكن هذه الأسس لم تنص على أن تكون غير الأردنية أما لأطفال قصر.

تعليقا على هذه النقطة، يقول مدير بيت العمال حمادة أبو نجمة: “صحيح أن الأسس لم تتضمن حالة العاملة التي لديها أبناء أردنيين، ولكن هذا لا يعني أن لا يتم مراعاة هذه الحالة واتخاذ القرار بإلغاء تسفير العاملة في هذه الحالة، فالأسس لا ترقى إلى مستوى القانون ولا حتى الأنظمة والتعليمات، فيه عبارة فقط عن قواعد داخلية تضعها الوزارة لغايات تسهيل النظر في طلبات إلغاء التسفير المستندة إلى وقائع منطقية تستوجب ذلك، والحالات التي تشير فيها إلى ضرورة إلغاء التسفير هي ملزمة للجنة المشكلة لتنفيذها بأن ترفع تنسيبها للوزير لإلغاء التسفير، ولكنها لا تعني عدم الأخذ بأي حالات إنسانية أخرى يستوجب المنطق الأخذ بها ومراعاتها، فمن المنطقي أن لا يتم تسفير أم لأطفال إلى خارج المملكة وحرمانها منهم، وحرمانهم من رعايتها، ففي ذلك ممارسة غير إنسانية تخالف المنطق والعقل، وكذلك هي تخالف معايير قانونية راسخة على المستوى الوطني والدولي تقضي بحماية حق الأطفال في رعاية والديهم وعدم تعريضهم لأخطار وأضرار فقدان معيلهم”.

ويرى ابو نجمة انه من غير المنطقي توقيف شخص على مخالفة من هذا النوع في مركز أمني لهذه المدة الطويلة دون اتخاذ إي قرار أو إجراء، فإضافة إلى أن ذلك يشكل مخالفة قانونية صارخة، فهو ممارسة غير إنسانية فيها ظلم شديد غير مبرر، ولا يتناسب أبدا مع حجم المخالفة المسندة له، وهي مجرد مخالفة عمالية لإجراءات الاستخدام، وإن صحت فهي لا ترقى إلى مستوى الجريمة التي تستوجب التوقيف لهذه المدة الطويلة، كما لا يشكل خروج المخالف من التوقيف ولو مؤقتا خطرا على سير الإجراءات أو ضررا بالصالح العام أو الصالح الخاص لأي كان، خاصة إذا ما علمنا بأن الأرقام الرسمية تشير إلى وجود مئات الآلاف من العمالة الوافدة المخالفة في سوق العمل الأردني.

وقال أبو نجمة “ليس من صالح الأردن أن يظهر بهذا المظهر من الممارسات غير الإنسانية بحق العمالة المهاجرة والذي يخالف أبسط قواعد القانون الدولي ومعايير العمل الدولية والمحلية، فالأردن الذي صادق على العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بهذا الشأن بذل الكثير من الجهود لتوفيق أوضاعه مع متطلباتها، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يسمح بأن تعكس فيه مثل هذه الممارسات صورة سلبية لأوضاع التعامل مع العمالة وحقوقها تعيدنا إلى المربع الأول في الحمايات والحقوق التي أكد عليها الدستور”.

“الغد” التي اتصلت بوزير العمل نايف استيتية، وأبدى تعاطفا مع القضية ليعد بدراسة ملفها بعين الجدية، طلب من مندوبة “الغد” البقاء على تواصل مع ذوي العلاقة في الوزارة الذي المحوا إلى إمكانية تعديل الأسس بحيث تشمل الأم لأطفال قصر، لكن يبقى السؤال مطروحا: كم سيبقى الطفلين دون رعاية أمهما الموقوفة إلى حين تعديل هذه الأسس؟.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.