23 Sep
23Sep



نحن في أمس الحاجة في هذا الوقت إلى تشجيع المواطنين وخاصة الشباب منهم للعمل في أي مجال لتوفير الدخل الذي يحتاجونه وأسرهم، حتى ولو كان ذلك في الإقتصاد غير المنظم الذي أصبح الملاذ الوحيد لهم كبديل للوقوع في براثن الفقر والعوز، أو الإنحراف والجريمة، في الوقت الذي قلت فيه فرص العمل، لا بل انعدمت، وعجز سوق العمل عن استحداث فرص عمل جديدة للشباب في القطاعين العام والخاص، وعن حل مشكلة فقدان الوظائف المتفاقمة.

يلاحظ أن الإعلان عن برنامج خدمة علم قد تم دون تحديد دقيق لأهم متطلبات تنفيذه، ونقصد بذلك شروط الإعفاء من الإلتحاق به، حيث من الواضح أن الحكومة لم تأخذ بعين الإعتبار أن ما يقرب من نصف العاملين هم في الإقتصاد غير المنظم، وبشكل خاص الشباب منهم، حيث يبدأ الشاب عمله في أي مجال لتأمين دخل له ولأسرته، سواء في مؤسسة غير مسجلة أو لحسابه الخاص من منزله مثلا (خدمات، صيانة، إنشاءات، زراعة، مبيعات...)، دون أن ينتظر الحصول على وظيفة منتظمة وهو أمر أصبح بعيد المنال منذ فترة.

فقد أعلنت الحكومة أن من شروط الإعفاء من الخدمة أن يكون الشخص (مشمولا بالضمان) أو يثبت (عمله بانتظام خلال السنة الأخيرة التي تسبق تاريخ الإستدعاء بغض النظر عن الإشتراك بالضمان الإجتماعي)، أو أن يكون (شريكا في شركة مسجلة أو مالكا لمؤسسة فردية مسجلة لدى الجهات المختصة فعالة خلال السنة الاخيرة التي تسبق تاريخ الاستدعاء).

وهذه الشروط تؤكد عدم الإلتفات إلى الفئة الواسعة من الشباب التي تمارس أعمالا لحسابها الخاص ودون تسجيل أو في مؤسسات غير مسجلة، وهو أمر سيؤدي إلى فقدانها لفرص عملها ومصادر دخلها لمدة سنة على الأقل في ظروف صعبة تعاني فيها معظم الأسر من فقدان وظيفة معيلها أو انخفاض أجره، وفي وقت يتوقع أن يتزايد فيه حجم هذه المشكلة مع تصاعد عدد الإصابات بالكورونا وتوقعات انهيار عدد كبير من المؤسسات.

فالأصل أن يكون دور الدولة في مثل هذه الظروف العمل على حماية الفئات الضعيفة والأكثر هشاشة وتعرضا للضرر وليس التضييق عليها، وبشكل خاص توفير سبل المعيشة الكريمة لهم من أبواب متعددة وتمكينهم من فرص العمل وتعويضعهم عن فقدانها، وقد بينت الحكومة عند إعلان البرنامج أنه يستهدف (تأهيل الشباب لتمكينهم من الدخول إلى سوق العمل بكفاءة واقتدار)، وأن البرنامج يأتي (في وقت ارتفعت به معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وهذا متوقع بسبب الظروف الاقتصادية والصحية التي ألمت بالعالم بأسره)، وعليه وبما أن موضوع الحد من البطالة هو من الأهداف الرئيسية للبرنامج فمن باب أولى أن تتم فيه مراعاة الحفاظ على وظائف الشباب وفرص العمل التي يشغلونها بغض النظر عن صفة هذه الوظائف إن كانت منظمة أو غير منظمة.

في ظل هذه الحقائق سيواجه البرنامج صعوبات جمة في هذه النقطة (تحديد الفئات غير العاملة)، حيث سيكون تقييم الحالة مرتبط بقناعات شخصية لصاحب القرار، مما سيتسبب في فوضى تنظيمية كما سيعرض العديد من الشباب وأسرهم للظلم نتيجة فقدان أعمالهم فيما لو تم إلزامهم بالإلتحاق بالخدمة بسبب عدم قدرتهم على إثبات عملهم.

ما زالت الفرصة قائمة لتصويب مسار البرنامج، إما بأن يكون اختياريا لمن يرغب خاصة وأن القدرة الإستيعابية للبرنامج محدودة ولن يستطيع استيعاب الجميع، أو بأن يصبح البرنامج إلزاميا للجميع دون أي استثناء ويقتصر فقط على التدريب العسكري ولمدة قصيرة (شهر مثلا)، ثم يتاح لمن يرغب في أن يستكمل البرنامج المهني في مساقات يتم التفاهم عليها مع القطاع الخاص بشرط أن تنتهي بالتشغيل.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.