11 May
11May

 بجسد منهك، تمضي الفتاة اللاجئة السورية غادة حسن (اسم مستعار، 18 سنة) كل صباح برفقة أشقائها ووالدها للعمل في المزارع. لجأت غادة إلى الأردن عام 2013، تاركة خلفها بلدها لتجد نفسها أمام واقع جديد بالغ الصعوبة.

اللجوء القسري والظروف المعيشية الصعبة دفعت بها الى سوق العمل مذ كانت في الثالثة عشرة.

يقول والدها أحمد، “اصطدمت بصعوبة الأوضاع المعيشية، عملت في المزارع المحلية في سوريا، والواقع هنا دفعني إلى تشغيل ابنتيّ القاصرتين لسد احتياجات العائلة”.

تروي غادة كيف أجبرها والدها على ترك المدرسة باكراً، “حرمت طفولتي وبدأت أساعد أمي في الأعمال المنزلية، وبعد سنتين بدأت العمل مع والدي في المزارع لسد احتياج العائلة. أعمل طوال النهار، حتى إنني لا أملك وقتاً للاهتمام بأموري الشخصية”.

قاصرات فريسة الأوضاع الحياتية

حسن والد غادة يعتمد على بناته القاصرات في العمل، برغم تعرضهنّ  للتعب والإرهاق الجسدي نتيجة ساعات العمل التي تتخطى الـ5 يومياً. يحاول الدفاع عن نفسه لجهة إجباره فتيات صغيرات على العمل متذرعاً بالحاجة وضيق الحال، ويشكو من تعرض بناته للاستغلال ببعض الأعمال عند أصحاب المزارع وعدم دفع أجورهنّ بشكل كامل. تتقاضى الفتيات القاصرات ديناراً أردنياً واحداً لكل ساعة العمل، بمبررات واهية، تكرّس استغلال الطفولة وظروف اللجوء.

خلال إعداد هذا التحقيق، قمنا بمقابلة 37 شخصاً يشغل ابنة قاصرة واحدة أو أكثر، أجبرن على ترك الفصول الدراسية من أجل العمل، في ظروف قاسية ترهق أجسادهنّ الصغيرة وتعرضهن لضغوط نفسية.

أشار تقرير صادر عن اليونيسف حول الأطفال خارج المدارس في الأردن في كانون الأول/ ديسمبر 2020 إلى أن معدل تسرب الأطفال السوريين من المدارس بعمر 12-15 سنة، بلغ 43 في المئة من إجمالي الطلاب. وشكلت الفتيات النسبة الأعلى من المجموع.

العمل الزراعي أكثر الأعمال انتهاكاً

أحمد عوض مدير المرصد العمالي الأردني، يقول إن أنماط العمل الزراعي مختلفة، إذ تنقسم بين عمل براتب شهري ويمثل الأقلية بين أوساط العمال، فيما الأغلبية مياومون أو يعملون على الساعة، فيما يخضع آخرون لنظام المقاولة الذي يعد التصنيف الأكثر تعقيداً نتيجة انخراط  الأسرة كلها في العمل، ما يجعل عملية اكتشاف الانتهاكات معقدة.

 يقدر إجمالي الإناث العاملات في مجال حصاد المحاصيل بما يزيد عن 90 في المئة من مجموع العاملين، وتشكل العاملات السوريات 30 في المئة من إجمالي العاملات من مختلف الفئات العمرية.

ضيق المعيشة والحاجة للدخل، دفعا السوريين إلى دمج أكثر من فرد من العائلة في العمل. معدلات البطالة في الأردن زادت لتبلغ 23.3 في المئة، فأكثر من 400 ألف شخص في الأردن عاطلون من العمل، مقابل انخفاض الأجور عموماً. من جهة أخرى، يعمل معظم اللاجئين السوريين في قطاعات منخفضة الأجور، ومع ازدياد هذا الانخفاض وجد كثيرون أنفسهم مجبرين على دفع كل أفراد العائلة للانخراط في العمل بغض النظر عن الجنس أو العمر.

يقول حمادة أبو نجمة رئيس “بيت العمال للدراسات” إن تشغيل الأطفال وتسريبهم من المدرسة يعتبر مخالفاً للقانون الأردني، ما يستدعي فرض عقوبة على صاحب العمل، وتقع العقوبة على رب الأسرة وفق قانون التربية والتعليم في حالة تسرب الطفل من المدرسة، ولكن القانون غير مفعل بالوقت الحالي وبالتالي فلا عقوبات.

المخاطر تحذر من انخراطهم بالعمل

تبيّن مقدمة اتفاقية ستوكهولم الهادفة للحد من استخدام الملوثات العضوية ومخاطرها، أن هناك مخاوف من الانعكاسات الصحية السلبية الناجمة عن التعرض المحلي للملوثات العضوية الثابتة بخاصة في البلدان النامية، مشيرة إلى أنها تؤثر بشكل خاص في النساء ومن خلالهنّ على الأجيال اللاحقة، في وقت تبلغ مساحة الحيازات الزراعية النباتية 2204111 وفق التعداد الزراعي الأردني لعام 2017 الصادر عن دائرة الإحصاء العامة.

أظهر تقرير المسح الوطني لعمل الأطفال في الأردن لعام 2016 أن عدد الأطفال العاملين بلغ نحو 70 ألفاً، بينما بلغ عدد العاملين في مهن خطرة نحو 45 ألفاً، ويشكل الأطفال السوريون النسبة الأعلى في المشاركة في الأنشطة الاقتصادية، فيما يظهر المسح أن الإناث من الفئة العمرية 5-14 سنة، هن الأكثر عرضة لعمالة الأطفال.

مهند الهامي مسؤول برامج حماية الطفل في منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، يوضح  لمعد التحقيق أن “اتفاقية حقوق الطفل كفلت حقهم بالتعليم، وهو ما يفترض أن يمنع انخراطهم في سوق العمل، لضمان حقهم بالبقاء والنمو، بعيداً من بيئات العمل وبخاصة الخطرة، لتفادي استغلالهم المخالف للتعريفات الدولية للأمم المتحدة، وحمايتهم من أسوأ أشكال العمالة، من ساعات عمل إضافية وطبيعة عمل محاط بالمخاطر”.

وتُطبق القوانين على المقيمين والمواطنين داخل الأردن كافة، إذ ضمن القانون الأردني حق نفاذ الرقابة على عمالة الأطفال السوريين المقيمين برفقة عائلاتهم في البلاد. ولكن للأسف أصبح عمل الأطفال، لا سيما الفتيات القاصرات ظاهراً للعلن، ما دفع معظم الوزارات الحكومية الأردنية للعمل على ضبط الحالة القائمة، بحسب الهامي.

من جهة أخرى، تبين ليندا كلش المديرة التنفيذية لـ”جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان”، في حديثها لنا أن المخاطر تجعل من تشغيل الفتيات القاصرات محظوراً نهائياً وأن عمالة الأطفال تعرضهم لمخاطر صحية لغياب أبسط شروط السلامة في أماكن العمل، إضافة إلى العنف الذي يمارسه أصحاب العمل في أحيان كثيرة.

وتتابع ليندا، “وفق القانون يمنع تشغيل الأطفال ما دون 16 سنة تحت أي ظرف، ويتم تشغيل من هم بين 16- 18 سنة في النظام الخاص للعمل، مع مراعاة المخاطر والوضع الصحي وذلك ينطبق على الجنسين الذكور والإناث مع إلزامية موافقة أولياء الأمور. لما يسببه ذلك من مشكلات صحية أخطرها الحد من النمو”.

ينتقد حمادة أبو نجمة رئيس “بيت العمال للدراسات” طبيعة الأجور، فالأصل أن يتقاضى العمال الأجور دون تمييز بين الفوارق العمرية، إذ لا يجوز التعامل مع الأطفال على أنهم صغار في السن واستغلالهم في جملة من الانتهاكات منها العمل الإضافي أو إنقاص أجرهم أو حرمانهم رواتبهم.

صادق الأردن على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138، عام 1997، التي أكدت أنه لا يجوز أن يقل عمر العامل عن الخامسة عشرة، كما منعت تشغيل الأطفال حتى الثامنة عشرة في الأعمال التي يحتمل أن تعرض صحة أو سلامة أو أخلاق الأحداث للخطر بسبب طبيعتها أو الظروف التي تؤدى فيها.

قانون العمل الأردني وتعديلاته رقم 8 لعام 1996 المتعلقة بعمل الأطفال، في المادتين 73 و74، يؤكد أنه لا يجوز بأي حال تشغيل الطفل الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور. ولا يجوز تشغيل الطفل الذي لم يكمل الثامنة عشرة في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة.

اضطرابات نفسية وجسدية

غدير عناتي مدربة مهارات حياتية وناشطة اجتماعية تقول “إن الأعراض الجسدية الناتجة عن الإجهاد الجسدي للقاصرات تنجم عنها تأثيرات جسدية ونفسية وتنعكس على السلوك، لأن الإجهاد المستمر يؤثر في فيزيولوجيا الجسم ويضغط على الأفكار والمشاعر المؤثرة على السلوك، ويسبب أيضاً ارتفاعاً في ضغط الدم وأمراضاً قلبية إلى السمنة وداء السكري، إضافة إلى آلام العضلات وآلام الصدر واضطرابات في المعدة ومشكلات في النوم، وهذا له دور في تغيير الحالة المزاجية للفتاة مثل شعورها المستمر بالقلق وفقدان الحافز والتركيز وسرعة الانفعال والغضب والشعور بالحزن والاكتئاب”.

وتضيف أن “الحرمان من التعليم له أثر كبير وسيئ على القصّر من الإناث والذكور، فغياب الاستقرار الأمني أثر في المجتمعات المتضررة من الحروب”.

وشكل التكيف السلبي مخاطر مضاعفة على الفتيات القاصرات لتحملهن أعباء الحياة، وعملهن لتوفير مصدر دخل وسط تحكم رب الأسرة بمصائرهن، ما يؤدي إلى نمط حياتي سلبي، يؤثر على نمو الطفلة في هذه المرحلة العمرية الحساسة، لا سيما في ظل انعدام الشعور بالذات والمكانة الذاتية في محيطها، ما يولد تصرفات سلبية وعزلة وعنف. وذلك يدفع إلى تفعيل إدارة الحالة للحد من تعرضهن للاستغلال والإساءة، يقول مهند الهامي مسؤول برامج حماية الطفل في اليونيسف .

إجراءات حكومية منقوصة

أشارت مؤسسة الضمان الاجتماعي، بردها حول استفساراتنا، إلى أن قانون مؤسسة الضمان، يشترط شمول الحيازات الزراعية التي يعمل بها ثلاثة عمال فأكثر في الضمان، و أجازت لهم اختيار شمولهم بالتأمينات المطبقة بالكامل أو تأمينهم في إصابات العمل فقط والمعمول به لغاية تاريخ 1/1/2023، لذلك وجب على أصحاب تلك الحيازات الزراعية الالتزام بقانون الضمان الاجتماعي وشمول أي عامل أتم الستة عشرة فأكثر، وفي حال ورد أي شكوى تقوم المؤسسة بالتحقق منها وتطبيق إجراءاتها بحسب الأصول، فالمادة (4) اشترطت إتمام العامل الستة عشرة دون أي تمييز بسبب الجنسية، شريطة ألا يقل الأجر الذي تحتسب الاشتراكات على أساسه عن أي منهم الحد الأدنى للأجور المعتمدة وفقا لقانون العمل النافذ. ولم يصل للمؤسسة من خلال منافذها أي شكاوى تخص الأفراد السوريين.

أما وزارة العمل فتلخص ردها على أسئلتنا بطلب الحصول على المعلومات، بأنه في حال ضبط حالات عمل فتيات من الجنسية السورية تحت السن القانونية للعمل (عمل الأطفال) يعتبر ذلك مخالفة للبنود الخاصة بعمل الأطفال، في وقت لم يرد الوزارة لغاية الآن أي ملاحظات أو شكاوى في القطاع الزراعي تتعلق بهذا الشأن، وفي حال ورود أي شكوى يقوم مفتش العمل باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.