يشكل الإتفاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة، الذي تم اعتماده عام 2018 في المؤتمر الحكومي الذي نظمته الأمم المتحدة بمدينة مراكش المغربية؛ نقلة نوعية للتعامل مع ظاهرة الهجرة المتفاقمة، والتي تعد أحد المواضيع الإشكالية بين الجنوب الفقير المصدر لها والشمال الغني المستقبل.

ويمثل هذا الإتفاق ذروة المشاورات والمناقشات الموضوعية بين الدول الأعضاء والجهات الفاعلة؛ كالمسؤولين المحليين وممثلي المجتمع المدني والمهاجرين أنفسهم، وهي المناقشات التي امتدت لسنوات، وتخللتها خلافات بين دول مؤيدة للإتفاق وأخرى معارضة لها.

وتعرف المنظمة الأممية الإتفاق بأنه "أول اتفاق يتم التفاوض عليه بين الحكومات، وتم إعداده تحت رعاية الأمم المتحدة، لتغطية جميع أبعاد الهجرة الدولية بطريقة شاملة".

الإتفاق يقر بالحاجة لوضع نهج شامل لتعزيز الاستفادة من مزايا الهجرة مع معالجة المخاطر والتحديات للأفراد والمجتمعات في دول المنشأ والعبور والمقصد، ومن خلاله سيتم تيسير الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة، مع الحد من الهجرة غير المنظمة وآثارها السلبية.

الأهداف

يهدف الإتفاق العالمي للأمم المتحدة بشأن الهجرة – وهو تكملة للميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق إعلانه العاشر من ديسمبر/كانون الأول 1948- إلى دعم التعاون الدولي في جعل الهجرة "آمنة ومنظمة ومنتظمة"، عبر التعاون الدولي ومجموعة من التدابير المقدمة، وفي الوقت نفسه محاربة المتورطين في تهريب البشر، فضلاً عن إدارة الحدود وحماية حقوق الإنسان للمهاجرين.

ويتضمن الإتفاق - الذي جاء في 34 صفحة- مجموعة من المبادئ التوجيهية يتبعها 23 هدفاً تُدعى الدول لانتقاء وسائل التنفيذ الاختيارية لكل هدف منها بكل حرية.

ويقدم الجزء الأول من الإتفاق لمحة عامة عن الشراكة الدولية لإدارة عمليات الهجرة، ويشير إلى أنه لا يمكن لأي دولة أن تدّعي تسوية هذه القضية وحدها.

وهكذا ينص على أن تنظيم الهجرة يتم بشكل آمن ومنظم وشرعي للحد من الهجرة غير الشرعية، مع السعي إلى معالجة أسباب الهجرة من المصدر ذاته (بلدان المنشأ)، بالإضافة إلى جعل المهاجرين مصدر ازدهار البلدان التي لجؤوا إليها.

وجاء في نص الإتفاق "الهجرة جزء من التجربة الإنسانية عبر التاريخ، ونقر بأنها مصدر للازدهار والابتكار والتنمية المستدامة في عالم يتسم بالعولمة، ويمكن تعزيز تلك الآثار الإيجابية من خلال تحسين إدارة الهجرة".

ويحدد الاتفاق الدولي التفاهمات والمسؤوليات المنوطة بكل دولة من الدول المتعاهدة عليه، على أن تكون الهجرة فرصة لتوحيد الجهود الدولية لا التفريق وبث الخلافات بين الدول. وهو بذلك يقر بالحاجة إلى نهج تعاوني لتحسين الفوائد العامة للهجرة.

وبموجبه، سيتم الحد من تلك المخاطر التي يواجهها المهاجرون وطالبو اللجوء عبر رحلتهم إلى الدول الأوروبية والغربية، مع التخفيف من مخاطرها وتحدياتها للأفراد والمجتمعات في بلدان المنشأ والعبور والمقصد على حد سواء، وذلك من خلال السماح لهم بالهجرة ضمن حاجة كل فرد وبطريقة "مشروعة".

أما الجزء الثاني من الإتفاق والمتعلق بالأهداف، فقد فصل في الإجراءات والطرق التي يجب اتباعها لتجنب عملية الهجرة القسرية أو غير المنتظمة من خلال تحديد إطار لها.

وركز ضمن هذا السياق على ضرورة الاهتمام بالأوضاع التي تدفع المهاجرين إلى المغادرة، من خلال تبادل المعطيات والمعلومات، ومكافحة الهجرة غير النظامية، عن طريق تعزيز الأمن على الحدود، والإشارة إلى عناصر الهجرة الآمنة والمُنظّمة وتجهيز تدابير للاندماج وسياسات للتنمية في بلدان المنشأ ودول اللجوء.

كما دعا الإتفاق لاتخاذ إجراءات للأمن والحماية والإنقاذ في دول العبور، بما في ذلك تسهيلات الاتصالات.

ويهدف الاتفاق العالمي إلى الحد من الدوافع والعوامل التي تقوض قدرة الناس على بناء سبل كسب عيش دائمة في أوطانهم، بما يضطرهم إلى البحث عن مستقبل أفضل في مكان آخر، مع الحد من المخاطر التي يواجهها المهاجرون، في مراحل مختلفة من رحلتهم، من خلال احترام وحماية حقوقهم وتوفير الرعاية والمساعدة اللازمة لهم.

الرافضون

وبينما دعمت معظم دول العالم الاتفاق العالمي، أعلنت دول - تقودها حكومات يمينية شعبوية تنتهج سياسات ضد المهاجرين- رفضها له، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى النمسا، وأستراليا، وبلغاريا، وكرواتيا، والتشيك، وإستونيا، والمجر، وإسرائيل، وبولندا.

وداخل البلدان التي أعلنت موافقتها عليه، تعرَّض الإتفاق لهجوم من قبل الأوساط الشعبوية والأحزاب القومية، التي ترى فيه تقويضا لاستقلال دولها، رغم أنَّ الميثاق لا يفرض التزامات جديدة على الدول.

تطمينات

وفي ظل تزايد المخاوف بدول الاستقبال، والتي يتنامى فيها التيار اليميني الرافض للهجرة، أكدت الأمم المتحدة أن الإتفاق العالمي للهجرة لا يمس سيادة الدول الموقعة عليه، ولا حقها في رسم سياستها المستقلة بشأن الهجرة، وإنما هدفه تنظيم الهجرة بما يراعي القانون الدولي لحقوق الإنسان.

كما أكدت أيضا أن الاتفاق لن يكون معاهدة رسمية، ولن يفرض أي التزامات واجبة على الدول.

وضمن هذا السياق، تحرص الأمم المتحدة على إبراز أن الإتفاق يولي أهمية خاصة بالهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة؛ كونها تفيد الجميع عندما تتم بشكل مستنير ومخطط له وبرضا الأطراف المعنية.

وجاء في الإتفاق العالمي أنه "يجب ألا تكون الهجرة أبدا عملا ناجما عن اليأس. وإذا حدث ذلك، فيجب أن نتعاون للاستجابة لاحتياجات المهاجرين في الأوضاع الصعبة ومعالجة التحديات. يجب أن نعمل معا لتهيئة الظروف التي تسمح للمجتمعات والأفراد بالعيش بسلام وكرامة في بلدانهم".

ويضيف الإتفاق أنه "يتعين أن ننقذ الأرواح ونبعد المهاجرين عن الخطر، وأن نمكنهم من أن يصبحوا أفرادا كاملي العضوية في مجتمعاتنا، وأن نسلط الضوء على مساهماتهم الإيجابية وتعزيز شمولهم في المجتمع والتناغم الاجتماعي".