معلومة تأمينية استراتيجية رقم (175)

ذكرت لأكثر من مرّة أن منظومة الضمان الاجتماعي لدينا تحتاج إلى إدارة حصيفة حكيمة، ولا أقصد بالطبع إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي، وإنما إدارة النظام التأميني بكل مكوّناته في إطار توازني حمائي عادل وباعتباره أهم ركيزة من ركائز الحماية الاجتماعية في الدولة، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر إدارة حصيفة محصّنة بالمساءلة والمراقبة والمحاسبة لاستثمار ما تراكم من أموال الضمان عبر مسيرته التي ناهزت ثلاثةً وأربعين عاماً.

ولعل أول وأهم ما يتم الحديث عنه في موضوع الضمان، كمنظومة تأمينية هي الأوسع وكصندوق استثماري هو الأضخم في الدولة، هو موضوع الاستدامة، ومتانة المركز المالي للضمان، وهذا يتأتّى عبر (3) طرق مجتمعة:

الأول: وجود نظام تأميني متوازن في كافة جوانبه، ويمنح منافعه بعدالة، ويقرّر التزامات أيضاً عادلة ومتوازنة بين مختلف أطرافه، وهذا يتطلب تجنّب أي تعديلات متسرعة وغير ناضجة على القانون، ويستدعي مراجعة شاملة لكافة فصول القانون ومواده وملحقاته، في إطار تشاركي حقيقي وحوار موضوعي رصين تشارك فيه كافة الأطراف المعنية، وصولاً إلى قانون توافقي متوازن، يوفّق بين الحماية والاستدامة، كما يستدعي مراجعة الكثير من السياسات التي انتهجتها مؤسسة الضمان منذ عدة سنوات لتصويبها بما يتوافق مع النهج الشمولي للحماية والديمومة.

الثاني: توفر جهاز استثمار حيوي فعّال يعمل بكفاءة ومهنية وحرفية عالية وضمن أقصى درجات الحوكمة المؤسسية الرشيدة، وفي إطار رقابة قانونية ومحاسبية ومساءلة مستمرة وتقارير إنجاز يتم متابعتها من لجان وخبراء مختصّين وبحيادية تامة.

الثالث: التوقف تماماً ونهائياً عن إنفاق أي دينار من أموال الضمان الاجتماعي خارج إطار المنافع التأمينية المحددة بالقانون، وهذا يتطلب أولاً وقبل كل شيء إيقاف العمل بجميع أوامر الدفع التي فَرَضت على مؤسسة الضمان دفع مبالغ كبيرة تم صرفها على غير الأوجه التي قرّرها القانون، وجزء كبير من هذه الأموال غير مستردّة. ولا بد من السير في الاتجاه القانوني لاسترداد كل دينار تم دفعه من مؤسسة الضمان على غير الوجه المحدد في القانون.

إنني هنا أطرح موضوعاً بالغ الأهمية والحساسية، ولن أدخل بالتفاصيل الدقيقة التي قد تستغرق الكثير من الوقت والتركيز، لكن ما أردته هو تسليط الضوء على هذا المرفق الحيوي من مرافق الدولة الذي تتطلع إليه عيون كل الأردنيين باهتمام وأحياناً بنوع من الخوف، فنحن اليوم وإلى هذا التاريخ نتحدث عن نظام تأميني وصل حجمه إلى أكثر من ( 1.8 ) مليون إنسان ما بين مشترك فعّال ومتقاعد ومستحق، ويكبر هذا الحجم يوماً بعد يوم.. كما نتحدث عن صندوق استثماري بلغت موجوداته (12.3) مليار دينار، ومن المتوقع أن يتجاوز حاجز أل (15) مليار دينار مطلع عام 2025..!

هذا كله يدعوني أن أتوجّه بهذا النداء إلى جلالة الملك عبدالله الذي دعا أمس إلى وضع خارطة طريق اقتصادية على مستوى الدولة، أن يوجّه أيضاً كل المعنيين من ممثلي الحكومة في مجلس إدارة الضمان والحكومة ذاتها والجهات الأخرى الممثلة للعمال ولأصحاب العمل والنقابات للمباشرة بالإسراع بوضع خارطة طريق واضحة المعالم لمنظومة ضمان اجتماعي مستدام وكفؤ وحيوي وفعّال وعادل وشامل،  ما يحتاج إلى ورشة عمل وطنية كبرى يشارك فيها خبراء ومختصون وممثلو كافة الأطراف المعنية، واضعين نصب أعيننا أن مستقبل الضمان مهم للجميع، وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبل اقتصاد الدولة، وأي اختلال يصيبه لا سمح الله ستهتز له أركان الاقتصاد الوطني برمته.

فهل يصل هذا النداء لجلالة الملك ويستجيب..؟!