معلومة تأمينية "ضمانية" رقم (223)

( إنّ في النفس غُصّة مما أوغلت فيه مؤسستنا من مسارات ولولا فسحة الأمل ما كتبت هذه الكلمات..!)

أخصّص هذا المنشور اليوم لأوجّه رسالة من القلب للزميلات والزملاء.. فرسان وفارسات الضمان الاجتماعي، المؤسسة والصندوق، سابقين وحاليين، فلقد عملت في مؤسسة الضمان الاجتماعي زهاء ثلاثة عقود تخللتها فترات انقطاع واغتراب خارج المملكة، وقد خبِرت زملائي في المؤسسة وكيف أنهم يعملون كفريق واحد، برسالة واحدة، ورؤية واحدة، مفعمة بالشغف والمحبة، وإن اختلفت بعض مساراتهم الفكرية ومدارسهم الإدارية. ونجم عن هذا أن المؤسسة استطاعت أن تحقق نجاحاً باهراً ولافتاً على ساحتنا الوطنية، فقد بدأت ماكنة المؤسسة بالعمل أواخر السبعينيات من القرن الماضي من بضع غرف في إحدى طوابق وزارة العمل بمنطقة العبدلي، وببضعة كراسٍ ومكاتب وبمبلغ تأسيسي مقداره (50) ألف دينار، كان بتبرع كريم، كما علمت، من الرئيس الشهيد صدام حسين، رحمه الله، أثناء زيارة له للأردن، وتم تقييد المبلغ من قبل الحكومة ذمّة مالية على المؤسسة، تم استردادها، وكان أول مدير عام للمؤسسة الناشئة، التي تحوّلت من فكرة في ذهن الوزير الهُمام عصام العجلوني إلى مشروع حيوي ضخم يدب على الأرض، كان أول مدير لها الدكتور جواد العناني وكان في الثلاثينات من عمره آنذاك.

الزميلات والزملاء..

لقد كنت مؤمناً وما أزال بأن العمل في مؤسسة الضمان شرف وأمانة ومسؤولية، وهو ليس كأي عمل أبداً، وإنما يحتاج إلى إيمان عميق برسالة الضمان، التي هي رسالة الإنسان، إدراكاً للأساس الذي نبتت منه الفكرة، وفهماً لفلسفة الضمان ودوره في الحياة الإنسانية، وأنه المظلة التي نتمنى أن تظل وارفة ليتفيّأَ ظلالها الناس. وها نحن اليوم نعبّر عن الضمان بشجرة الزيتون المباركة، الشجرة المعمّرة التي تعيش لآلاف السنين إذا حافظنا عليها ورعيناها وأكلنا من زيتونها الطيب بالمعروف..!

لطالما كان الضمان مبادراً، وكان موظفوه مبادرين، والمبادرة تأتي غالباً في أجواء وظروف يحتاج فيها الوطن إلى روح المبادرة، في وقت ربما يشهد نكوصاً عن المبادرة، وانكفاءً على الذات، فيما يلوح في سمائه أفذاذ من المخلصين والمخلصات، يرنون بأبصارهم إلى حمل راية العطاء، دون أن ينظروا إلى المكسب أو المنصب أو المردود..!

رسالتي للزميلات والزملاء الأعزّاء.. بأن يمحضوا مؤسستنا وجمهورها العريض جلّ محبتهم، وأن لا يعملوا بصفة الموظف الرسمي البيروقراطي ولا بروح الموظف العام المتثاقل، ولا بنفسية العامل الذي لا يفكر إلا بلحظة انتهاء ساعات العمل ليمضي إلى شأنه لا يلوي على أحد أو شيء..! لا ليس هذا هو المطلوب في وقت تحتاج فيه مؤسستنا إلى كل نَفَس من أنفاسكم الطيبة، وإلى كل فكرة من عقولكم النيّرة، وإلى كل مبادرة رائدة من مبادراتكم، وإلى كل كلمة طيبة، وإلى كل ثانية من وقتكم، وإلى كل كلمة حق وموقف حق ورأي موضوعي بنّاء، وإلى كل بسمةٍ وبشاشة تبدونها في وجه مراجع من جمهور مؤسستنا الطيب الجميل..

الزميلات والزملاء..

ليس مَنْ يعمل كمن لا يعمل، وليس كل مَنْ يعمل كغيره في الهمّة والإنجاز والإخلاص والمحبة، فثمّة تفاوت بين الناس، وهو تفاوت نفهمه، لكن الإنجاز الحقيقي لا يمكن أن يتأتّى من خلال عمل بيروقراطي جامد أو أداء روتيني جاف، أو توجيهات "ريموتية" غير بصيرة، ولكنه يتحقق من خلال امتلاك ناصية الإيمان بالقضية، وتبنّي النهج المخلص الأمين، والحدب التام على الصالح العام كما يحدب المرء على مصالحه الشخصية وربما بدرجة أكبر، وهذا ما يقود إلى سلاسة العمل، وسلامة المسيرة، ويصوّب الأخطاء، ويعزز الأداء، ويُعظّم الشعور بالفخر في نفس كل زميل وزميلة، فإذا وصلنا إلى مرحلة الشعور الصادق بالفخر والاعتزاز بعملنا ومؤسستنا التي هي بيتنا وبيت جمهورنا العريض نكون قد وصلنا فعلاً إلى مرحلة متقدمة من التماهي والتفاني والانهماك لإظهار صورة حقيقية لمؤسسة رائدة عريقة كرّست نفسها من أجل الإنسان وبشكل تلقائي لا تكلّف فيها ولا تصنّع..!

الزميلات والزملاء..


ثمة مخلصون قبلكم وقبلنا، بذلوا جهوداً جبّارة أسهمت في الوصول إلى ما وصلت إليه مؤسستنا اليوم، وهم مشكورون على ذلك، منهم من انتقل إلى رحمة الله ولم يخلف الوعد، ومنهم مَنْ بقي على العهد، وفي ظنّي أن في النفس غصّة اليوم برغم الشعور بالأمل والفخر، وما كان لهذه الغصّة أن تحصل لولا ما أوغلت فيها مؤسستنا من مسارات لم تكن يوماً هي المسارات الآمنة التي مشينا في دروبها لعقود خلت، ولولا فسحة الأمل والرجاء بفرسان الضمان وفارساته، لما كتبت ما كتبت، ولكنت اكتفيت بتوجيه اللوم على صمت لم نعهده من قبل عن الإفصاح بما يعتمل في الصدور، ويدور في العقول، وعن الكلام الجميل الفصيح والرأي الصريح المُريح..!

ولِمَ الإنكفاء على الذات، ونسيان ما فات، والتسليم ببعض السياسات، والإذعان لبعض القرارات مما خلق حيّزاً من الريية وعدم الطُمأنينة. ولكن معرفتي بالنهر النقي الصافي لعطائكم، وصفاء سرائركم، وأصالة نبلكم، وعظيم انتمائكم جعلني أوجّه رسالتي إليكم اليوم بهذه الكلمات، فلعل الفكرة تكون قد وصلت بجلاء، فكل واحد فيكم على ثغرةٍ من ثُغَر الضمان فلا يؤتينّ من قِبَل أيٍ منكم.. وليس ثمّة أنبل من منتمٍ آثر الصالح العام على مصالحه الشخصية، وواجه الصعوبات من أجل ذلك، وبقي على العهد والوعد لا يثنيه عنهما شيء إلا الرجوع إلى الجادّة..!