17 Sep
17Sep

(فجوة الأجور بين النساء والرجال تؤثر على النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية)

عمان 17 أيلول 2025

أصدر المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" ورقة سياسات بمناسبة اليوم العالمي للمساواة في الأجور، الذي يصادف 18 أيلول من كل عام، بعنوان "المساواة في الأجور بين النساء والرجال في الأردن" كشفت أن فجوة الأجور بين الجنسين ما تزال قائمة وواسعة نسبيا في سوق العمل الأردني، فقد أظهرت الأرقام أن الفجوة تبلغ 13.9% في القطاع العام و14.1% في القطاع الخاص، فيما ترتفع بين الجامعيات إلى 26.2% في القطاع العام وتصل إلى نحو 38.9% في القطاع الخاص، وأكدت الورقة أن هذه الفجوة هي انعكاس لاختلالات بنيوية تؤثر على النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتماسك المجتمعي. 

وأشارت الورقة إلى أن الأردن صادق مبكرا على اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 100 بشأن المساواة في الأجر، ورقم 111 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة، مما رتب عليه التزاما قانونيا بمراجعة تشريعاته وسياساته الوطنية بما يكفل منع أي شكل من أشكال التمييز، وقد تضمن قانون العمل تعديلات مهمة عامي 2019 و2023 للحد من التمييز في الأجور والفرص على أساس الجنس، إلا أن النصوص جاءت مقتضبة ولم ترافقها آليات تنفيذية أو معايير موضوعية لتقييم "العمل ذي القيمة المتساوية" ما جعلها محدودة الأثر في الممارسة العملية. 

وبينت الورقة أن متوسط الأجر الشهري في القطاع العام بلغ 682 دينارا للذكور مقابل 587 دينارا للإناث، بفجوة قدرها 13.9%، أما في القطاع الخاص فبلغ 511 دينارا للذكور مقابل 439 دينارا للإناث، بفجوة قدرها 14.1%، كما أوضحت أن الفجوة تتباين بحسب المستوى التعليمي حيث تصل إلى 25.1% بين من تقل مؤهلاتهم عن الثانوية العامة، وتنخفض إلى 8.8% بين حملة الثانوية أو الدبلوم، لكنها ترتفع بشكل كبير بين الجامعيات، هذه المفارقة تعكس أن التعليم العالي لا يترجم بالضرورة إلى فرص أجرية متساوية بل قد يقترن باتساع الفجوة خصوصا في القطاع الخاص. 

وأشارت الورقة أيضا إلى فجوات واسعة مرتبطة بالمهنة والمستوى الوظيفي، إذ بلغت الفجوة في فئة المشرعين وكبار الموظفين والمديرين بالقطاع العام نحو 37.7% لصالح الذكور، بينما وصلت في بعض المهن الحرفية في القطاع الخاص إلى نسب أعلى من ذلك. وسلطت الورقة الضوء على الأثر الاقتصادي لفجوة الأجور موضحة أن تقليصها يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي من خلال تعزيز القوة الشرائية للأسر وتحفيز الطلب الداخلي الذي يعد المحرك الرئيس للاقتصاد الأردني، كما نقلت عن تقديرات وطنية أن تحقيق المساواة في الأجور يمكن أن يضيف ما يصل إلى 13 ألف دينار سنويا لكل أسرة تقودها امرأة، بما يرفد الاقتصاد الوطني بمئات الملايين من الدنانير إذا ما عمم الأثر على نطاق واسع.

 وأوضحت الورقة أن فجوة الأجور تحد من توجه النساء للعمل في القطاع الخاص وتدفعهن لتفضيل القطاع العام الذي يوفر أجورا أعلى بنسبة 29% لكنه لا يوفر إلا فرصا محدودة بحدود 8 آلاف وظيفة سنويا مقابل ما يقرب من 130 ألف باحث جديد عن عمل. أما على مستوى الأسر فقد أشارت الورقة إلى أن النساء يرأسن نحو 12% من الأسر الأردنية وهي أسر أكثر عرضة للفقر والحرمان بسبب انخفاض الأجور، كما أن ضعف دخل النساء يقلل من قدرتهن على الادخار أو الاستثمار في تعليم وصحة أطفالهن مما يعيد إنتاج التفاوت الاجتماعي عبر الأجيال. 

وبينت الورقة أن النساء في الدول العربية يتقاضين في المتوسط 12.5% فقط مما يتقاضاه الرجال، وهو أدنى معدل عالمي، ورغم أن الأرقام الأردنية أفضل من المعدل العربي إلا أن الفجوة ما تزال واضحة، كما شددت الورقة على أهمية عضوية الأردن في التحالف الدولي للمساواة في الأجر (EPIC)، ودعت إلى الاستفادة من هذه العضوية لتبني أفضل الممارسات الدولية مع مقارنات أكثر قربا بتجارب دول اتخذت خطوات تشريعية ومؤسسية لردم الفجوة. 

وتناولت الورقة مدى الاهتمام بموضوع الأجور في رؤية التحديث الاقتصادي (2023–2033) مشيرة إلى أن الرؤية ركزت على زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل دون أن تتطرق صراحة لموضوع المساواة في الأجور أو الحد الأدنى للأجور، وأشارت إلى أنه رغم رفع الحد الأدنى إلى 290 دينارا عام 2023 إلا أن غياب ربطه بمؤشرات موضوعية مثل كلفة المعيشة والتضخم يضعف من أثره، وأكدت الورقة أن إدماج قضايا المساواة في الأجر ضمن أولويات التنفيذ يمثل شرطا أساسيا لنجاح الرؤية في تحقيق أهدافها التنموية. 

كما تناولت الورقة تأسيس اللجنة الوطنية للإنصاف في الأجور عام 2011 التي جمعت ممثلين عن الحكومة والنقابات وأصحاب العمل والمجتمع المدني بدعم من منظمة العمل الدولية وأسهمت في إطلاق مبادرات عملية مثل العقد الموحد للمعلمات في المدارس الخاصة ورياض الأطفال وحملات التوعية الوطنية، غير أن اللجنة ما تزال تفتقر إلى أدوات إلزامية وصلاحيات متابعة ما يحد من قدرتها على إحداث أثر ملموس في تقليص الفجوة. 

واختتمت الورقة بعرض مجموعة من المتطلبات العملية والتوصيات، من أبرزها ضرورة تطوير قانون العمل ليشمل تعريفا واضحا لـمفهوم "العمل ذي القيمة المتساوية"، وإصدار تعليمات تنفيذية ملزمة وتزويد جهاز تفتيش العمل بأدوات عملية لرصد التمييز، وإلزام المؤسسات الكبرى بإصدار تقارير دورية شفافة عن الأجور مصنفة حسب الجنس، وتعزيز المفاوضة الجماعية لتشمل بنود المساواة في الأجر، ودعم سياسات العمل الداعمة للمرأة مثل تطبيق أوسع للعمل المرن وتوفير خدمات مساندة كالحضانات والنقل، وإطلاق حملات توعية وطنية لتغيير الصور النمطية حول دور الرجل كـمعيل وحيد وتعزيز ثقافة الأجر العادل.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.