29 Dec
29Dec

نقاط التعادل إنذار مبكر والحلول أوسع من مجرد تعديل القانون


عمان 28 /12 /2025
أصدر المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" تقريرا تحليليا بعنوان (الضمان الاجتماعي في ضوء نتائج الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة)، قدم فيه قراءة معمقة لنتائج الدراسة الاكتوارية الأخيرة وسياقها السياساتي والاقتصادي والعوامل البنيوية التي تضغط على المسار المالي للصندوق التقاعدي، إضافة إلى الخيارات الواقعية المتاحة لتأخير مسار نقطتي التعادل وتعزيز استدامة المنظومة.

ويأتي التقرير عقب الإعلان عن نتائج الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة، التي أظهرت توقع الوصول إلى نقطة التعادل الأولى بين الاشتراكات والنفقات التأمينية في عام 2030، ونقطة التعادل الثانية بين النفقات من جهة والاشتراكات مضافا إليها عوائد الاستثمار في عام 2038، وهي مؤشرات بحسب التقرير لا تمثل حتميات مالية بقدر ما تشكل أدوات إنذار مبكر قابلة للتأثير من خلال السياسات العامة. 

ويؤكد التقرير أن قراءة المؤشرات الاكتوارية لا يمكن أن تتم بمعزل عن بيئتها التنظيمية والسياساتية، والتفاعل التراكمي بين سياسات سوق العمل والتشغيل وأنماط الدخول إلى سوق العمل والخروج منه ومستويات الاستقرار الوظيفي، وكذلك الامتثال التأميني وإدارة الموارد الاستثمارية. ويبين التقرير أن الضغوط على المسار الاكتواري لا تعود إلى عامل واحد، بل يعود إلى مجموعة عوامل متداخلة أبرزها تسارع الخروج المبكر من سوق العمل والفجوة المتزايدة بين نمو عدد المشتغلين ونمو عدد المشتركين، وضعف جودة واستقرار الاشتراك المتمثل في قصر مدد الاشتراك وتسجيل الأجور دون مستواها الحقيقي، واستمرار التهرب التأميني، إضافة إلى محدودية فعالية توسعة الشمول. 

ويؤكد التقرير أن التقاعد المبكر يشكل العامل الأكثر تأثيرا في الضغط على المؤشرات الاكتوارية باعتباره نتيجة مباشرة لمسارات وسياسات تنظيمية أضعفت استقرار العلاقة العمالية في القطاعين العام والخاص، ووسعت من نطاق الإحالات القسرية أو شبه القسرية إلى التقاعد، ما حول التقاعد المبكر من استثناء محدود إلى عامل ضاغط مركزي على منظومة الضمان. 

ويخصص التقرير حيزا مهما لتحليل أثر أدوات إنهاء الخدمة، مبينا أن التوسع في استخدام المادة (100) من نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام أسهم في تسريع خروج آلاف الموظفين في سن العمل الفعلي ونقل كلفة قرارات إنهاء خدماتهم إلى منظومة الضمان الاجتماعي، وأن التحول في التفسير القضائي للمادة (23) من قانون العمل في القطاع الخاص أضعف الاستقرار الوظيفي لفئات واسعة من العمال، نتيجة توجه القضاء نحو اعتبار مجرد توجيه إشعار إنهاء الخدمة هو إجراء قانوني ينهي علاقة العمل دون الحاجة لمبررات وأسباب موضوعية. 

وأن ما يتم تداوله عن توجهات لإعادة طرح التعديل الذي يتيح إنهاء الخدمات الجماعي بموجب المادة (31) من قانون العمل دون العودة للجنة الثلاثية المختصة بالنظر في الأسباب ينطوي على خطر تحويل الإنهاء الجماعي إلى أداة إدارية اعتيادية، بما يوسع قاعدة الخارجين من سوق العمل ويغذي التقاعد المبكر بصورة منتظمة. ويخلص التقرير إلى أن هذه الأدوات مجتمعة تنقل كلفة سياسات التشغيل من أصحاب القرار في سوق العمل إلى منظومة الضمان الاجتماعي بما يخلق ضغطا اكتواريا تراكميا يتضخم مع الزمن. 

ويشير التقرير إلى أن بيانات سوق العمل تظهر نموا متواصلا في عدد المشتغلين في المملكة خلال السنوات الأخيرة بلغ حوالي 15%، غير أن هذا النمو لم ينعكس بذات الوتيرة على قاعدة الاشتراك الفعلي في الضمان الاجتماعي نتيجة عدم شمول عدد من قطاعات العمل بالضمان وانتشار أنماط العمل غير المستقر والتشغيل المؤقت، حيث يؤكد التقرير أن هذه الفجوة بين نمو التشغيل ونمو الاشتراك تمثل أحد مصادر "الضغط الصامت" على الإيرادات التأمينية وهي ضغوط لا تعالجها السياسات التقليدية القائمة على التوسع العددي الشكلي في الشمول دون تحسين جودة واستقرار الاشتراك. 

ويبرز التقرير أن جودة الاشتراك من حيث مدة الاشتراك ومستوى الأجر الخاضع للاقتطاع واستمراريته أكثر أهمية من مجرد زيادة عدد المشتركين، مشيرا إلى أن تأخر الدخول إلى سوق العمل ولا سيما بين الشباب يقلص القاعدة التمويلية للنظام، كما يسلط الضوء على التهرب التأميني الجزئي والكلي الذي يحرم النظام من كتل أجرية قائمة بالفعل ويؤدي إلى تدفقات مالية متوقفة مؤكدا أن تحصيل جزء من هذه التدفقات يمكن أن يحقق أثرا سريعا ومباشرا قبل نقطة التعادل الأولى. 

وفيما يتعلق بتوسعة الشمول يوضح التقرير أن هذا المسار يظل أساسيا، لتحسين الإيرادات مشيرا إلى أهمية تصميم أدوات اشتراك مرنة للفئات غير المشمولة ومراجعة الأعباء المترتبة على المشتركين اختياريا ومن يعملون لحسابهم الخاص والتي تحد من توجههم للاشتراك بالضمان، وإلى أن شمول العمالة غير الأردنية إذا نفذ بامتثال فعلي يمكن أن يحقق أثرا داعما للإيرادات مع التزامات تقاعدية أقل نسبيا. 

أما في مجال الاستثمار فيؤكد التقرير أن العائد الاستثماري عنصر داعم للاستدامة وليس بديلا عن إصلاحات سوق العمل، وأن ارتفاع تركز الاستثمار في أدوات الدين يحد من مرونة العائد طويل الأجل، داعيا إلى ربط جزء مدروس من الاستثمار بأثر تشغيلي وتوليد فرص العمل بما يعزز قاعدة الاشتراك بصورة غير مباشرة. 

ويخلص التقرير إلى أن مسار نقطتي التعادل ليس مسارا مغلقا، وأن نتائج الدراسة الاكتوارية لا تستدعي بالضرورة إجراء تعديلات تشريعية فورية على قانون الضمان الاجتماعي بل تفتح المجال أمام حلول تنظيمية وتطبيقية وسياساتية في سوق العمل ومنظومة التأمينات قد يكون أثرها أكبر وأكثر عدالة إذا ما نفذت بفعالية. 

ويؤكد التقرير أن أي إصلاح لا يرتبط بسياسات التشغيل واستقرار العمل وضبط أدوات إنهاء الخدمة وتحسين جودة الاشتراك والامتثال سيظل محدود الأثر مهما بلغ حجم التعديلات القانونية. 

ويقدم المركز هذا التقرير بوصفه مساهمة تحليلية في الحوار الوطني المرتقب حول مستقبل منظومة الضمان الاجتماعي داعيا إلى أن يكون هذا الحوار حوارا سياساتيا شاملا يتجاوز النقاشات التقنية الضيقة ويسعى إلى دعم قرارات متدرجة وعادلة وقابلة للتطبيق تعزز استدامة الضمان الاجتماعي وتحفظ دوره بوصفه ركيزة للحماية الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي في الأردن.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.